جمهور بأكمله، يملك قوة سياسية غير قليلة، يعتبر نفسه متضررًا- وبحق، من وجهة نظره- من محاولة جهاز الأمن العام العمل بين صفوفه... هناك ما يبرر، بل يبرر إلى حد كبير، الادعاءات التي طرحها قادة اليمين ضد تصريحات رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، والرياح التي تهب من جهازه. فجهاز الأمن العام هو ليس دائرة الأرصاد الجوية، ورئيسه ليس راصداً. وإذا كانت لديه شبهات راسخة، فليحقق ويعتقل ويحاكم المشبوهين، أما إذا لم تكن لديه أي شبهات كهذه، فإن كل حديث جارف عن ميول نحو التطرف أو نقل تقييمات بشأن قاتل يتجول بيننا ما هو إلا محاولة للتغطية على الإخفاق، في أفضل الحالات، أو إلقاء تهمة جماعية، في أسوأ الحالات. المشكلة هي أن كل ما يملكه جهاز الشاباك في هذه المرحلة هو: ذكريات سيئة، تعود إلى ما قبل تسع سنوات، لكنها تعود إلى أذهان مسؤوليه بفعل الكثير من الأمور التي حدثت مؤخراً، كالتقييمات التي تعتمد على هذا وذاك، وأمل اليمين بأن ينقذه مزوز من شارون ومن الانسحاب السقيط، واستفتاء الليكود الذي اختفى مع الرياح، وكون رئيس الحكومة هو الذي يدفع بجسده العملية، تماما ً كما فعل رابين آنذاك - والتصريحات العلنية التي يطلقها رجال اليمين، والتي يمكن أرشفتها تحت عنوان تحريض. ويضاف إلى هذا كله، الادراك بأنه إذا نشأ، لا سمح الله، قاتل سياسي، حتى لو كان شخصاً يبدو أنه عمل بمفرده (كما في حالة يغآل عمير)، فإن من سيدفع الثمن هو الشخص المسئول عن سلامة قادة الدولة. هذا يعني أن جهاز الأمن العام يطلق النار في الظلمة على أمل أن يصيب أحداً، أو أن يتسبب بهرب من لا يراه.يتحتم علينا القول إن جهاز الشاباك، يعرف حماس أكثر مما يعرف اليمين المتطرف. يمكنه الإشارة بدقة متناهية إلى مكان وجود قائد التنظيم في نابلس، في كل دقيقة، لكنه يصبح كمن يبحث في الظلمة، عندما يتعلق الأمر بالخلايا السرية للتنظيمات المتطرفة (هذا إذا كانت قائمة). هذا ليس، فقط، لأن المقصود شخصيات متزمتة، تعمل بدوافع أيديولوجية وداخل مجموعات تعرفها جيداً، وإنما لأن القانون يقيد تحركات الشاباك والشرطة ضد هؤلاء، خلافاً لما يحدث مقابل الفلسطينيين. في قضية التنظيم السري بات عايِن، أظهرت المحكمة أن ما اعتبره الشاباك مسألة صغيرة، هو بالنسبة لها أكثر مما يمكن احتماله. عندما يتحتم اثبات أمور بناء على قانون الأدلة، ويملك الجانب الثاني حقوق المشبوهين ودفاعًا قانونياً، يصبح الإحباط مسألة بالغة الصعوبة. جمهور بأكمله، يملك قوة سياسية غير قليلة، يعتبر نفسه متضرراً - وبحق، من وجهة نظره - من محاولة جهاز الأمن العام العمل بين صفوفه. هذه الأمور كلها واضحة لديختر ولرجاله، لكن غير الواضح لهم هو كيف يمكن، في مثل هذه الظروف، اعتقال يغآل عمير المقبل، الذي لا يمكنهم حتى اثبات وجوده.سيكون الصراع على الانسحاب من غزة مريراً. سيشمل مواجهات جسدية ويحتم تجنيد قوات كبيرة. ، يجب توفر الكثير من الحظ، والكثير من العقل لإنهائه دون وقوع اصابات. لن يحتاج منفذ الاغتيال السياسي القادم لأكثر من مسدس وقرار حاسم. إنه لا يحتاج إلى بنية تحتية، ولا حتى لدين روديف (أي حكم من يعتبرونه ملاحقًا لليهود). الطريقة الوحيدة لوقفه تكمن فيما إذا كان من الواضح لكل من يحيط به، بأن المقصود خطوة سلبية مطلقة، تبرر استخدام كل وسيلة من أجل وقفها. ولأنه لا يمكن لالشاباك الاعتماد على حدوث ذلك، يقوم باطلاق النار في الظلمة - ويصيب، أيضاً، الكثيرين ممن لم يخطئوا.يمكن ويجب القول لجهاز الإحباط إنه يتحتم عليه العمل، لا التحذير. يصعب جداً الاشارة إلى الطريق التي يمكن لمجتمع انتهاجها في سبيل الاحتماء بشكل ناجع من تهديدات الاغتيال السياسي