"نحن في الوضع الحالي، والوضع الذي سبق، ضالون تماما، نتخبط في التناقضات، وبلادنا منذ خمسين عاما، صحراء ثقافية في كل المجالات: في التراث كما في استيعاب الثقافة الغربية، في الكتاب كما في الرسم والموسيقى والمسرح، ان هذا المجتمع اعطى رقبته للذبح، والتذ بموته، فلا ارى الان خروجا من المأزق". هذا الكلام الجارح للمفكر المغاربي هشام جعيط، حسب تركي علي الربيعو في مقاله (هل نحن عصيون على التغيير ام عاجزون عنه؟) السفير 25/6/2004م اقول: هذا الكلام الجارح وقفت عليه طويلا، على الرغم من التناقض الذي اوضحه الربيعو في اقوال جعيط السابقة وقوله هذا.. وقفت عليه طويلا لان جعيط وصف (بالصحراء الثقافية) ليس العالم العربي وحسب، بل العالم الاسلامي كله. لم يكن جعيط وحده هو الذي مد يده بهذا الخنجر، فتلك النغمة البائسة واليائسة سمعناها ونسمعها من كتاب كثيرين. وصحيح انها، اي النغمة، موجودة منذ عقود ولكنها هذه الايام اصبحت صراخا حادا تهرب منه الاذان. ان المثقف حين يكف عن التحديق الراصد في عمق المجتمع، ويعجز عن رؤية الامكانات، البكر فيه يلوذ بالفرار الى اليأس. هل نلتمس عذرا للمثقفين الذين ينعقون مع كل ناعق، ويحملون اقلامهم الى السوق السياسية لبيعها هناك بحجة ان المجتمع غارق في الخرافة، والبؤس والجهل؟ لا اظن ذلك. ان المثقف الذي يقوم بهذا الفعل.. يقوم ببيع سيفه الاجتماعي ووعيه، لا يصبح مثقفا. انه مات منذ اللحظة التي تقلد فيها سيفا غير سيفه الاجتماعي. ان جعيط وامثاله، وهم كثر، انفصلوا عن قطار مجتمعهم، نزلوا في اول محطة كان فيها كل شيء رخيصا، لا يحتاج فيها الفرد لدفع السهد والارق والحرمان ثمنا لما يريد شراءه. لا اريد هنا ان اكون هاجيا للمثقفين ولا مادحا للمجتمع ذلك لان مجتمعاتنا مثل سائر مجتمعات البشر، لاتزال في طفولتها الثقافية ولكنها ليست متوقفة عن النمو او سائرة الى محطة العقم. هل توافقني؟ سأظن فيك خيرا.