بعيداً عن تعليمات وقيود الأسرة، يفضل بعض الشباب الانطلاق خارج محيط بيئتهم المؤطرة لخوض تجارب اجتماعية ومهنية واقتصادية تكفل تحملهم المسؤولية مجردة واكتسابهم خبرات جديدة من غير الانزواء تحت عباءات آبائهم. خوض معترك الحياة وفقاً لرؤية مختلفة عن الآباء واقتحام مجالات متنوعة والانخراط في ميادين متفاوتة، يراها بعضهم اعتماداً على النفس فيما يفسرها آخرون بتمرد خائب النتائج عند مواجهة صعوبات وعراقيل بالغة. الانطلاق ضروري بداية يؤكد طلال الحمود ان الانطلاق ضروري حتى يتمكن الجيل الجديد من التعرف على مجالات بيئية واجتماعية أخرى مادام سيدخل معترك الحياة ليحقق وجوده، كما أن الوصول إلى عمر الشباب، يفرض على الشاب الخروج من حدود منطقته أو أهله والتوسع في علاقاته ومعارفه مما يجعله منفتحاً على آفاق واسعة. ويستدرك: ولكني ضد الانطلاق البعيد عن المسؤولية، خاصة انطلاق الفتاة بعيداً عن بيئتها. ويرى طلال أن انطلاق الشاب خارج إطار أسرته ضروري له لتكوين حياته المهنية أيضاً، فاعتماده المتواصل على أسرته لإعالته يعمق لديه نقصاً من الناحية النفسية، وعدم القدرة على تجاوز العديد من المشكلات التي يتعرض لها في حياته، بينما يستطيع من خلال انطلاقه وبحثه عن تكوين ذاته أن يقوّي إرادته وثقافته ومعرفته بتقلبات الحياة الدائمة والمستمرة، وعليه ألا يضعف أمام أي عائق. ويضيف: يجب على الأهل ان يسهموا في انطلاق أبنائهم، أو في سفرهم أيضاً إذا أتيح لهم عمل جيد، بينما الانطلاق ضمن قوقعة محددة يجعل الابن مضطراً للاعتماد على أهله من الناحية المادية، كما يجعله ضيّق الأفق من الناحية الاجتماعية. مغامرة كبيرة ولايشجع على السليم انطلاق الفتاة خارج نطاق مجتمعها الصغير رغم ما يترتب عن هذا الجانب من صعوبة بالغة، ترتبط بمعايير اجتماعية وتربوية مما يجعل اقدامها على تلك الخطوة مغامرة كبيرة ومقلقة لها ولأسرتها أيضاً، حتى إنها لا تستطيع توظيف قدراتها في مجال طموحها لأنها بحاجة إلى أن تواجه المشكلات وتتخطى الحواجز الاجتماعية ثم تفكر في تحقيق الطموح. ويجد يوسف الصالح أن اصطدام الشاب بمعوقات خارجية كثيرة يؤدي إلى الشعور بالضعف والانهزام، ويتولد في هذه الحالة إحساس بعدم القدرة على تجاوز المعوقات أو تحقيق الأحلام ليرتبط الشاب بأسرته ويتبع قوانينها لأنه يجد في فشله فرصة واسعة للتعرض للأحاديث والإدانات التي يكره سماعها. ويضيف: يجب أن يفهم الأهل أهمية انطلاق الشاب ضمن كل المجالات المتاحة، ومهما تأخر عن العودة إلى المنزل يجب ألا يواجهه أحد باعتراض مادام قد كبر ونضج واتسعت آفاق معرفته وبدأ يبحث عن انطلاق خارج أسوار حياته السابقة لكي يكتشف مزيداً من الحقائق والأمور، مما يؤهله للوجود ضمن هذه الحياة الصعبة في المستقبل. ويؤكد ابوفيصل أن الانطلاق خارج نطاق الأسرة والبحث الذاتي عن العمل والطموحات والأحلام للوصول إلى مستقبل جيد، أمر مهم جداً وضروري حتى لو لم يكن النجاح متوافراً بسرعة أو كاملاً، لأن ذلك يدعم قوة الشاب أو الفتاة، ويساعد على تحمل المشكلات مع تقدّم الزمن، ويسهم في خلق تجربة ناضجة تمكّن هذا الجيل الشاب من معالجة الأمور بحكمة، وعن تجربة سابقة. ولكن إذا وصل الفشل إلى درجة الإحباط يصعب معالجة الأمر، بينما تغيير نظرة الشاب نحو العالم الخارجي وإلغاء الاقتناع بأنه طريق للانتشار والنجاح والوصول إلى الحلم المنتظر أمور خطرة تنعكس بشكل سلبي على حياته. ويضيف: أرى أن الضرورة تقتضي أن تبدأ تجارب الشاب في الانطلاق مع الأصدقاء، أو في مهن مؤقتة، أو في أجواء التسلية، في وقت مبكر لكي يكتسب خبرة ومفاهيم جديدة بشكل تدريجي، لذلك أعتبر أن الضغط الأسري على الشاب لمنع الانطلاق أمر خطر للغاية ويجب تداركه مسبقاً. شعور باليأس ويقول علي الخطيب: حاولت باكراً أن أستقل عن أسرتي وانطلقت نحو المجتمع المملوء بالمتناقضات والمنغصات اليومية التي لا تنتهي، وكثيراً ما أصاب بالشعور باليأس أو الحزن. لكن هذه التجربة ضرورية لأي شاب حتى يستطيع أن يبحث عن مستقبله علّه يصل إلى نتيجة سعيدة ترضيه وترضي اندفاعه تجاه العالم الخارجي. وبرغم كل المعوقات والمشكلات والعراقيل التي تظهر وتتربص بجيل الشباب، يبقى الانطلاق نحو التجديد والتأسيس ضرورياً ومساعداً على بروز الشاب في هذه الحياة، وأرى أيضاً أن واجب الأهل أن يوجهوا أبناءهم، لكي ينطلقوا بحثاً عن تجارب جديدة، وحينما يخرج الشاب من سن المراهقة يبدأ باكتشاف آفاق جديدة ويسعى الى تغييرات عامة، مما يجعله مندفعاً باتجاه عالم آخر بعيد عن عالمه السابق المحاصر بالمدرسة والحي ومكان عمل الأب مثلاً. يكون ضئيل الخبرة والمعرفة خصوصاً عندما يبقى متواصلاً مع عالمه السابق طيلة فترات نضوجه مما لا يجعله يفكر في إجراء تغيير في حياته أو بالانطلاق نحو تجارب مهنية واجتماعية وعاطفية جديدة مادامت فترة الاندفاع مرت بسرعة. أما أبو فهد فيجد أن انطلاق الشاب خارج إطار الأسرة باتجاه المجتمع يجب أن يكون مشروطاً بأمور عديدة، وعلى الشاب أن يعتمد على أسس متينة، كعلمه أو مهنته، حتى لا يؤدي فشله إلى إصابته باليأس والانكسار، وبالتالي ينعكس الفشل على مقدرته لمجابهة الحياة مرة أخرى، مما يكوّن لديه فكرة سيئة وغير سليمة عن الواقع الخارجي، ولا يستطيع أن يعيد المحاولة مرة أخرى خوفاً من الفشل. وأرى أن الحياة مملوءة بالصعوبات والمفاجآت وعلينا أن نتهيأ لها ونحن نغيّر وقائع حياتنا لأن الصدمة في حالة البحث عن مستقبل جيد أو آفاق تغييرية، صعبة جداً.