يلجأ كثير من المجتمعات الى اسلوب الفكاهة في تناول بعض قضاياها, اما لكسر صلابة الجمود الذي تتسم به او لتعقد مشكلات المجتمع وعجز الناس عن مواجهتها قصورا او خوفا, فيجدون في الفكاهة بابا للتخفف وتفريغا للضغوط النفسية, ويتجلى هذا في الازمات الاقتصادية التي تمر على المجتمع وفي اوقات الحروب حيث تنشط روح النكتة فيلوذ بها الناس حيث لاملاذ. بعض اشكال الملح والنوادر يكشف عن ذكاء مبدعها, او عن موقف يجمع بين متضادين كالجهل والعلم في تداعي سياق موقف واحد. وقد جاء بعض الملح العربية في مستوى الاصوات فمما يروى عن ابن الاعرابي قال: قال رجل من الاعراب لاخيه أتشرب الخازر من اللبن الحامض ولاتتنحنح فقال: نعم فلما شربه آذاه فقال: كبش املح, وبيت افيح, وانا فيه اسمح. فقال اخوه: قد تنحنحت. فقال: من تنحنح فلا افلح. تكشف الطرفة عن قدرة الرجل على الاحتيال باستعمال كلمات يكثر فيها حرف الحاء لموقعه من الحلق مما يجعل خروجه مسلكا عوض عن صوت النحنحة (أح أح). وعن المدائني ان اماما قرأ (ولا الضالين) بالظاء المعجمة, فرفسه رجل من خلفه فقال الامام: آه ضهري فقال له الرجل خذ الضاد من ضهرك واجعلها في الظالين وانت في عافية. تنبه الرجل للتداخل الصوتي بين الضاد والظاء. فظاهرة ابدال هذين الصوتين شائعة في اللهجات العربية القديمة ومازالت متصلة في لهجاتنا المعاصرة. وقد تنبه لها القدماء وألفت بها كتب والمفارقة في الطرفة ان الرجل ابدل في الموضعين فأخطأ. الابدال الصوتي ينقل الكلمة من معنى الى آخر لأن الابدال يتيح جذورا لغوية مختلفة. فقد سأل رجل بلالا مولى ابي بكر رحمه الله وقد اقبل جهة الحلبة, فقال له من سبق؟ قال سبق المقربون. قال انما اسألك عن الخيل. قال وانا اجيبك عن الخير. فترك بلال جواب لفظه على خبر هو انفع له. الطرفة مثال على الانتقال من ميدان الخبر الى ميدان الوعظ باستغلال الجناس الجزئي بين اللفظين مذكرا بالاثر: الخيل معقود بنواصيها الخير. وروي ان المأمون خرج منفردا فلقي اعرابيا فقال: ما اقدمك؟ قال الرجاء من الخليفة. وقد قلت ابياتا استمطر بها فضله. قال: انشدنيها. قال: يا ركيك او يحسن ان انشدك ما انشد الملوك؟ وبينما هو كذلك اذ احدقت الخيل بهما وسلموا على المأمون بالخلافة فعلم الاعرابي انه قد وقع, فقال: يا أمير المؤمنين, أتحفظ شيئا من لغات اليمن قال: نعم, قال: من يبدل القاف كافا؟ قال: بنو الحارث بن كعب؟ قال: قبحها الله من لغة لا اعود اليها بعد اليوم فضحك المأمون. لقد تمكن الاعرابي من استغلال صورة من صور الابدال الصوتي الذي اتاحه قرب مخرج الصوتين (القاف) و (الكاف). وظاهرة قلب القاف كافا شاعت في اوساط النساء في مصر بعد انتشار البث التلفزيوني فاحداهن تقول: انا ركيكة وتعني رقيقة وتقول الكاهرة والكرآن والمقصود القاهرة والقرآن. تؤثر ظاهرة الابدال الصوتي في الدلالة فهي احيانا تسبب مشاكل وازمات بين الافراد كما تكون ميدانا للطرافة والتندر.