شهد القطاع المصرفي العربي تطورا كبيرا في السنوات الاخيرة نتيجة الجهود الذي بذلتها معظم الدول العربية لتحريره واصلاحه وتطويره وبدا ذلك واضحا على المستويات المؤسسية والرأسمالية والموارد البشرية والتكنولوجية. الا انه ومع تلك الجهود المبذولة الا ان القطاع المصرفي والمالي العربي يواجه عددا من التحديات الناتجة عن التطورات السريعة في العمل المصرفي الدولي يصبح معها ضروريا الانتقال من العمل المصرفي التقليدي الى الصيرفة الشاملة الحديثة بما يكفل تأمين دور فاعل للقطاع المصرفي العربي محليا وعربيا ودوليا. وتتمثل هذه التحديات التي تواجهها المصارف العربية في التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي ألغت البعد الجغرافي وسهلت الاتصال والترابط بين الاسواق العالمية في مختلف انحاء العالم من خلال وسائل الاتصالات الحديثة. ومن التحديات التي تواجه المصارف العربية هي اعتماد الاقتصاد العالمي الجديد على المعلومات وسرعة وفورية الاتصال والترابط فيما اعتمد الاقتصاد التقليدي على الانتاج وهذا يعني انه لرفع القدرة التنافسية فان على الاقتصاد الجديد معالجة المعلومات بسرعة واستغلال افضل الفرص في الاسواق العالمية. ومن التحديات ايضا دخول مؤسسات وشركات مالية غير مصرفية في مجال الخدمات المصرفية بحيث اصبحت تنافس المصارف التقليدية في تقديم الخدمات الى جانب توافر الادوات المالية والمصرفية بحيث اصبحت تنافس المصارف التقليدية في تقديم الخدمات. وتبرز هنا اهمية الاتجاه نحو توحيد مختلف الاعمال المصرفية والخدمات المالية وحتى خدمات التأمين تحت سقف واحد وتضاؤل الفوارق بين المصارف والمؤسسات المالية الاستثمارية وشركات التأمين وشركات السمسرة المالية وهو ما يعرف باستراتيجية المصرف الشامل. وامام كل ما سبق يتعين على القطاع المصرفي العربي التأقلم السريع مع معطيات هذه التحديات وتحويلها الى فرص حقيقية للنمو والتطور خلال المرحلة المقبلة مستفيدا في ذلك من جهود السلطات النقدية والمصرفية العربية لمواصلة سياسات الاصلاح المصرفي والتي تتزامن مع اجراءات الاصلاح الاقتصادي والمالي والتصحيح الهيكلي. نؤكد علي ان التعاون بين المصارف العربية والبنوك المركزية والسلطات النقدية العربية يبقى حجر الزاوية في عملية الدفع بعجلة النمو والتطوير في هذا القطاع الحيوي بما يمكن الدول العربية من التغلب على التحديات والصعوبات الراهنة والمتوقعة لاسيما في ظل التوجه نحو اقامة منظمة التجارة الحرة العربية. ومن مشكلات المصارف ايضا ان القطاع المصرفي العربي يعاني من ارتفاع درجة التركيز اذ يستأثر 25 مصرفا عربيا بأكثر من 50 في المائة من النشاط المصرفي في حين تستأثر المصارف في ست دول بحوالي 75 في المائة من الموجودات المصرفية. وفيما يخص مشكلات القطاع المصرفي العربي لابد من التأكيد علي ان سعر الفائدة لايمثل في العديد من الدول العربية الموشر الحقيقي لتكلفة الفرصة البديلة على القروض وبالتالي لا يقوم بوظيفته الاساسية وهي التخصيص الامثل للقروض بل نجد ان قيمة سعر الفائدة الحقيقي سالبة في بعض البلدان العربية. ونرى ان الاصلاحات المطلوبة في المصارف العربية تكمن في عدد من الخطوات الملائمة للمنطقة العربية منها تحرير اسعار الفائدة وعدم التدخل في عملية تخصيص التسهيلات الائتمانية وترك الامر برمته الى المصارف وفق المعايير المصرفية المعمول بها والتخلي عن سياسات الكبح المالي. ومن الاصلاحات المطلوبة كذلك اعطاء استقلالية اكبر للبنوك المركزية العربية بمعنى منع التدخل الحكومي عند قيام البنك المركزي باداء وظيفته الاساسية وهي تنفيذ السياسة النقدية وخصخصة المصارف المملوكة للدولة وبينت ضرورة ترك تحديد رسوم وتعرفة الخدمات للمصارف على اساس تنافسي فيما بينها حتى تتحسن جودة الخدمات المصرفية وكذلك توسيع قاعدة ملكية المصارف حيث يساهم هذا التوجه ايضا في انتقال اسلوب العمل المصرفي من الاعتماد على العلاقات الشخصية الى اسلوب يعتمد على استحواذ اكبر قدر من السوق المصرفي المتاح بصورة تنافسية. وفي مجال الاجراءات الوقائية من الازمات المالية ندعو الى ضرورة الالتزام بمعيار كفاية رأس المال و تطبيق نسب السيولة الاجبارية وتدخل السلطات النقدية في سياسة توزيع الارباح بما يضمن سلامة اصول المصرف واعماله والحفاظ على حقوق المساهمين في الوقت نفسه وزيادة الشفافية والافصاح عن كافة المعلومات. ولاهمية منع حدوث ظاهرة التركيز الائتماني لابد من وضع حد اعلى لمقدار القروض والتسهيلات الائتمانية التي يمنحها المصرف لمقترض واحد الى جانب انشاء مكتب مركزية المخاطر وتعيين مدققي حسابات خارجيين واستحداث نظام تأمين الودائع. تجدر الاشارة الى انه نتيجة للتوسع الذي شهدته الاسواق المالية العالمية وامتداد نشاط البنوك عبر حدود دولها ظهرت الحاجة الى معايير موحدة يكمن استخدامها في التعامل المصرفي والمالي على المستوى الدولي بما يضمن درجة كافية من الرقابة المصرفية وحد ادنى من الامان لاموال المودعين والحفاظ على درجة عالية من المنافسة. * المعهد العربي للتخطيط - القاهرة