هناك مقولة بدهية معروفة.. هي موضع اتفاق، ليس بين الليبيّين جميعهم فحسب، ولكن بين البشر جميعاً.. هذه المقولة مفادها أنّ لكلّ فعل فاعلاً.. وأنّ وراء كلّ جريمة مقترفاً لها أو مرتكبا.. وأنّ لكلّ جريمة عقوبة وقصاصا. وسوف أتّخذ من هذه المقولة محوراً وأساساً لهذه المقالات.. فما هي الجريمة التي أعنيها؟ ومن هو مقترف هذه الجريمة ومرتكبها؟ أو من هو المسؤول عنها؟ وما هو الموقف من هذا الجاني/المسؤول عن هذه الجريمة؟ أو ما هو جزاؤه وما نوع القصاص الذي ينبغي أن يلحق به؟ذلك ما سأحاول تناوله ومناقشته في هذه المقالات. حقائق ثابتة أحسب أنّه من الواجب في مستهلّ هذه المقالات، وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات، تثبيت جملة من الحقائق حول: واقع الشعب الليبي في ظلّ العهد الملكي. تطلّعات وأماني الشعب في أواخر العهد الملكي. الوعود التي أطلقها انقلابيو سبتمبر. (أ) واقع الشعب الليبي في ظلّ العهد الملكي امتدّت حقبة العهد الملكي نحو ثمانية عشر عاماً (منذ الحصول على الاستقلال في 24/12/1951 وحتى وقوع الانقلاب العسكري في 1/9/1969). ويمكن تلخيص واقع الشعب الليبي في ظلّ العهد الملكي في جملة الحقائق الأساسية التالية: أولاً: لقد حصلت ليبيا على استقلالها في 24 من ديسمبر/كانون الأوّل 1951 م. بموجب قرارٍ من الأممالمتحدة والتي أجمعت تقارير خبرائها على وصف ليبيا يومئذٍ بأنّها من أكثر بلدان العالم تخلّفاً وفقراً"، غير أنّ ذلك الفقر والتخلّف لم يكن بالطبع من صنع حكومات الاستقلال بل كان ميراث وتركة سنوات الاستعمار الإيطالي الفاشستي. ثانياً: ظلَّت ليبيا تتمتَّع بموقعٍ جغرافيٍّ واستراتيجيّ ممتاز، فهي تطلّ على البحر الأبيض المتوسّط بساحل يمتدّ قرابة (2000) كيلومتراً يجعلها قريبةً من أوروبا وأسواقها، كما يجعلها هذا الموقع همزة وصلٍ بين مغرب العالم العربي ومشرقه، وبوابةً هامّةً لأفريقيا. ثالثاً: بلغ عدد سكان ليبيا عند حصولها على الاستقلال نحو (1) مليون نسمة، كما بلغ هذا العدد عند قيام انقلاب سبتمبر/أيلول نحو مليونيء (2) نسمة، كما تميّزت التركيبة العرقية والقبلية والدينية للشعب الليبي بالسهولة والبساطة، تميل إلى التجانس والوحدة، وتبتعد عن التعقيد والتطرّف والانغلاق، وتخلو من التناقض والصراع بكافَّة أنواعه وأسبابه. فالشعب الليبي، على سبيل المثال، مسلم سُنّي مائة بالمائة. رابعاً: لقد اعتمدت حكومات العهد الملكي المتعاقبة في تمويل موازنتها العامّة ومشروعاتها الإنمائية على ما كانت تتلقَّاه من مساعداتٍ مالية في ظلّ الاتفاقيات والمعاهدات التي كانت قد أبرمتها مع كلٍّ من حكومات بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، والمساعدات الفنية والمالية المحدودة التي تلقّتها من بعض وكالات هيئة الأممالمتحدة وبعض الدول كفرنسا وإيطاليا ومصر والعراق والباكستان وتركيا. خامساً: بدأت ليبيا تتجاوز سنوات الفقر بعد اكتشاف النفط والشروع في تصديره مع بداية الستينات (1961)، وعند قيام انقلاب سبتمبر 1969 لم يكن إجمالي ما حصلت عليه ليبيا الملكية من عائداتها النفطية قد تجاوز (960) تسعمائة وستين مليون دينار ليبي (أي ما يوازي ثلاثة مليارات دولار أمريكي). سادساً: انَّ كافَّة عائدات ليبيا من النفط وغيره كانت تؤول خلال سنوات العهد الملكي إلى الخزانة العامّة للدولة، وكان التصرّف فيها يتمّ بموجب قوانين مجازة من قبل السلطة التشريعية بالبلاد (مجلسيء البرلمان والشيوخ، والمجالس التشريعية)، ودون أيّة استثناءات. وقد عرفت ليبيا أوّل خطّة خمسية للتنمية بمجرّد ظهور عائدات النفط، وهي التي عُرفت بالخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات 1963-1968، وقد سجّلت تلك الخطّة والخطّة الخمسية الثانية التي بدأت مع أبريل/نيسان 1969، مؤشرات إنجازٍ طيّبة في مجالات الإسكان والمواصلات والتعليم والصحة وبناء بعض المشروعات الزراعية والصناعية. سابعاً: على الرغم من شحّ موارد الدولة في مطلع سنوات الاستقلال، لم تتردّد الحكومات المتعاقبة في الإنفاق على التعليم بكافَّة مستوياته، فأقامت الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس، كما أرسلت البعثات إلى الخارج، إلى كلٍّ من الدول العربية وأوروبا والولايات المتحدةالأمريكية، وشهد التعليم نهضةً قلَّ نظيرها على امتداد العالم العربي كلّه، وقد كان التعليم مجانياً ومتاحاً لكلّ أبناء وبنات ليبيا، بل وضعت له الدولة الحوافز المادية والمعنوية. كما شهدت حقبة العهد الملكي اهتماماً خاصاً بالقطاع الصحي والخدمات الصحية. ثامناًً: كما شهدت العملية الإدارية والتشريعية نشاطاً متميّزاً، وإنَّ من يقارن إنجازات الحكم في ليبيا قبل انقلاب سبتمبر بالجهود المبذولة في هذا المجال على كافّة الساحات العربية والأفريقية والآسيوية ليجد للحركة التشريعية والإدارية في ليبيا الملكية" سبقاً متميّزاً، ودون أدنى شك فقد كانت الدولة الليبيّة في ظلّ العهد الملكي متكاملة البنيان الإداري والتشريعي. تاسعاً: كما شهدت الحركة الثقافية والفكرية وحركة التأليف والنشر نشاطاً واتساعاً هائلين على مدى السنوات التي سبقت قيام انقلاب سبتمبر، ويكفي مؤشّراً في هذا الصدد استعراض عدد من الصحف والمجلات الليبية التي كانت تصدر عند قيام انقلاب سبتمبر، وعدد الكتب التي جرى تأليفها ونشرها واستيرادها خلال تلك الحقبة. عاشراً: لقد كفل الدستور الليبي الذي أقرّته الجمعية الوطنية التأسيسية في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 1951، كفل استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، كما كفل سيادة القانون، وأحيطت حياة وحقوق وحرّية المواطن الليبي في ظلّ ذلك الدستور بضمانات قانونية وقضائية منعت عنه العسف والجور والتسلّط من قبل غيره من المواطنين أو من قبل الدولة. وعلى الرغم من وقوع بعض التجاوزات في حقّ بعض المواطنين، فقد كانت تلك الحالات فردية" و"استثناء" من النهج العام للدولة، كما لم تعءدُ أن تكون تعبيراً عن حالة من التجاوز من قبل أحد الموظفين العموميين للسلطة التي في يده، ولم تكن تعبيراً عن توجّه عام للحاكم والحكومة لممارسة الاستبداد والتسلّط والإرهاب والقهر. وقد كان من حقّ المواطن التظلّم ومقاضاة من تجاوز السلطة أو القانون في حقّه، بل وحتى مقاضاة الحكومة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّه: أ لم يجرِ - طوال حقبة العهد الملكي- تشكيل أيّة محكمةٍ استثنائية مدنية أو عسكرية. ب لم يجرِ -على امتداد تلك الحقبة- اعتقال مواطنٍ واحدٍ واحتجازه عن غير طريق النيابة العامّة، ولم يكن هناك تعدّد للجهات القضائية، عادية واستثنائية، سياسية وغير سياسية. ج لم يثبت قيام سلطات العهد الملكي بتعذيب أيّ معتقل أو سجين. على الرغم من إلقاء سلطات العهد الملكي القبض على عددٍ من المواطنين (المدنيين والعسكريين) بتهمة الإعداد لقلب نظام الحكم، فقد تمّ اعتقالهم جميعاً في إطار القانون، كما لم يتعرضوا للتعذيب أو لأيّة معاملة مهينة، كما جرت محاكمتهم جميعاً أمام محاكم عادية أصدرت بحقّهم أحكاماً بالسجن لبضع سنوات أفرج عنهم جميعاً قبل انقضاء مدّتها، كما جرى تشكيل لجان لتسوية أوضاعهم الدراسية والوظيفية فور إطلاق سراحهم. د لم يحدث -على امتداد سنوات العهد الملكي الثماني عشرة - قيام السلطات بقتل أيّ مواطنٍ ليبي عن عمدٍ وترصّد، سواء بالاغتيال والتصفية أو تحت التعذيب. وتؤكّد التقارير أنّ حوادث القتل التي وقعت خلال حقبة العهد الملكي (انتخابات عام 1952 وأحداث الطلبة في يناير 1964) تمّت بطريق الخطأ ودون تعمّد ولم تكن سياسة أو نهجاً ثابتاً للعهد. ه لم تعرف هذه الحقبة ولا حالة واحدة من حالات الاختفاء القسري لمواطن من مواطنيها. حادي عشر: حافظ العهد الملكي على الحياة البرلمانية" وفقاً لما نصّ عليه الدستور، ولم يعرّضها للتعطيل، وحرص على إجراء الانتخابات التشريعية العامة في مواعيدها، فعرفت حقبة العهد الملكي انتخابات عامة خلال السنوات 1952، 1956، 1960، 1964 (وقد أعيد إجراء الانتخابات الأخيرة في عام 1965 بعد أن ثبت وقوع تزوير واسع في نتائجها). وقد جرى فض آخر دورة عادية لمجلس الأمّة الليبي في 3/5/1969 حيث كان مقرّراً أن تعقد الانتخابات التالية في ربيع عام 1970 على أبعد تقدير. ورغم ما شاب الحياة البرلمانية" من سلبيات فتظلّ مفخرة للعهد الملكي وشاهداً على هامش الحرّية التي كان يتمتّع بها الشعب الليبي. ثاني عشر: رغم أنّ النظام الملكي لم يسمح بتأسيس الأحزاب السياسية إلا أنّه سمح بتأسيس الجمعيات الفكرية والأدبية والنوادي الثقافية والرياضية، كما سمح بتكوين النقابات والاتحادات العمالية والمهنية، وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بحقوقها المهنية، كما سمح النظام للجماهير الشعبية (بمختلف فئاتها العمالية والطلابية والنسائية..) بالتعبير عن مطالبها الخاصة، وعن مشاعرها ومواقفها إزاء كثير من القضايا العامة الوطنية والقومية. وبالطبع فإنّ هذه الحقائق التي أوردناها لا تنفي وجود عدد من السلبيات والإخفاقات والممارسات الخاطئة التي وقعت في ظلّ العهد الملكي وعلى الأخصّ فيما يتعلّق بالتلاعب بالمال العام من قبل بعض المسؤولين، وضيق هامش الحريات والحقوق السياسية العامة. غير أنّه لا بدّ من التأكيد على الآتي: انّ الفساد المالي الذي عرفه العهد الملكي لم يكن يشكّل إهداراً متعمّداً أو تبديداً مبرمجاً لثروات البلاد وخيراتها. انّ الفساد السياسي الذي عرفه ذلك العهد لم يكن يشكّل طغياناً واستبداداً سياسياً مقصوداً ومستهدفاً. انّ هذه السلبيات جميعها كانت استثناءً من الحالة الإيجابية العامة التي كان عليها أداء النظام وسيرته. أنّ أداء النظام الملكي في ليبيا في جملته كان الأفضل بالمقارنة مع أداء معظم الدول العربية في تلك الحقبة. ولا يكتمل وصف واقع الشعب الليبي في ظلّ العهد الملكي دون الإشارة إلى مواقف وعلاقات ذلك العهد عربياً وأفريقياً ودولياً والتي يمكن تلخيصها في الآتي: أولاً: لقد ظلّت ليبيا منذ استقلالها وحتى قيام انقلاب سبتمبر/أيلول 1969 تتمتَّع بعلاقاتٍ أخويةٍ ممتازة مع كافَّة جيرانها وأشقائها، في الغرب مع تونسوالجزائر والمغرب، وفي الجنوب مع النيجر وتشاد والسودان، وفي الشرق مع مصر، وفي الشمال مع مالطا. ولم يسجّل العالم على ليبيا طوال تلك السنوات أيّة مشاكل أو نزاعات بينها وبين هؤلاء الجيران، ولم يكن همّ الجميع -ونعني بهم الليبيين وجيرانهم- سوى التسابق من أجل زيادة هذه العلاقات، التي صاغتها الجغرافيا وصنعها التاريخ والدين وصلات الرحم والقربى والنَّسب والانتماء العربي والموقع الأفريقي والإسلامي الواحد، قوّةً ورسوخاً وعمقاً ومصداقية. ثانياً: وعلى الرغم من وجود القواعد الأمريكية والبريطانية فوق الأراضي الليبية خلال الفترة التي سبقت انقلاب سبتمبر 1969م.، إلا أنّ ذلك لم يحل دون الشعب الليبي والحكومات الليبية التي سبقت قيام الانقلاب من مشاركة الأمَّة العربية في معاركها، ومن التعبير عن انتمائها العربي، ومن النهوض بأعبائها القومية بشكلٍ طيّب ويدعو للفخر. فخلال وطوال هذه السنوات، كان وقوف الشعب الليبي وحكومته مع الثورة الجزائرية" إلى أن حقَّقت انتصارها وحصلت الجزائر على استقلالها، وخلال هذه السنوات كانت البدايات في دعم الشعب الليبي للثورة الفلسطينية، وانطلقت الرصاصات الأولى ل"حركة فتح" بتمويلٍ من الشعب الليبي، وجرى خلال هذه السنوات منع كلّ من بريطانيا وأمريكا من استعمال قواعدهما ضدّ الشقيقة الكبرى مصر باعتراف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نفسه، وخلال هذه السنوات نفسها (على وجه التحديد في أغسطس/آب من عام 1967 م.) وفي مؤتمر القمّة العربي الذي انعقد في الخرطوم بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، تعهّدت ليبيا بالمشاركة في تقديم الدعم المالي لدول المواجهة العربية من أجل الإعداد العسكري والصمود الاقتصادي. وقد بلغ ما تعهّدت به ليبيا يومذاك (30) ثلاثين مليون جنيه، في الوقت الذي لم يكن قد مضى فيه على الشروع في تصدير وتسويق النفط الليبي سوى بضع سنوات. كما قدمت ليبيا الملكية - حكومة وشعباً - المزيد من المساهمات والتبرعات المالية لدول المواجهة العربية فضلاً عن حركة "فتح". وطوال هذه السنوات كان حجم التعاون الاقتصادي والتعليمي والثقافي بين ليبيا وبقية الدول العربية على درجةٍ طيّبة وفقاً لمعايير وظروف تلك السنوات. ثالثاً: كذلك، فقد كانت علاقات ليبيا مع بقية الدول الأفريقية ومع منظمة الدول الأفريقية على درجةٍ عالية من الاحترام والجدّية والفاعلية. وكذلك كان الشأن بالنسبة لعلاقات ليبيا مع بقية دول العالم الإسلامي وقضاياه، ومع بقية دول العالم. ولاستكمال الصورة بشأن ما كانت عليه الأوضاع في ليبيا في ظلّ العهد الملكي وقبل وقوع انقلاب سبتمبر، لا بدّ من تثبيت الحقائق الإضافية التالية: (أ) : انّ ليبيا عند قيام انقلاب سبتمبر لم تكن تعاني أو تواجه خطراً أو تهديداً خارجياً على أمنها أو سيادتها أو وحدة وسلامة أراضيها، لا من الشرق ولا من الغرب ولا من الشمال ولا من الجنوب، بل كانت تتمتَّع بعلاقاتٍ أخويةٍ ممتازة مع كافّة جيرانها، ومع بقية أشقائها ومع الأسرة الدولية قاطبةً. (ب): انّ ليبيا وهي تفاخر بتاريخها كلّه، وبخاصّة ما سطّره الأجداد المغاوير في مقاومة الغزو الإيطالي الغاشم بكلّ بسالة، إلاّ أنّه لم يسجّل التاريخ المعاصر على شعبها الليبي -وقبل وقوع انقلاب سبتمبر- أيّة اتجاهاتٍ عدوانية نحو جيرانه أو أيّة توجهاتٍ شوفينية للهيمنة والتسلّط على أشقّائه، ولم يسجَّل عن الشعب الليبي -حتى في مجال الأحلام أو على مستوى الأماني والتصريحات -أيّة تطلّعاتٍ توسّعية أو ادّعاءاتٍ بالريادة والقيادة سواء على صعيد المغرب العربي، أو القارّة الأفريقية، أو الأمّة العربية، أو العالم الثالث بله العالم كلّه، وكانت علاقاته كافّة منطلقة من قيمه وتراثه الحضاري، وفي حدود حجمه وعدد سكانه وقدراته وإمكاناته الفعلية والحقيقية. (ج): انّ ليبيا عند قيام انقلاب سبتمبر لم تكن تعاني من أزماتٍ اقتصادية أو صراعٍ اجتماعي أو سياسي طاحن، كما لم تكن بنية المجتمع الليبي والاقتصاد الليبي يومذاك تعاني من أيّة أزماتٍ حادّة أو محدّداتٍ مستعصية أو مشاكل مزمنة مستفحلة، والمشاكل كلّها التي كان يواجهها الاقتصاد كانت من النوع البسيط القابل للحلّ. ولعلّ أهمّ محدّد كان يواجه هذا الاقتصاد، وهو نقص الأيدي العاملة المدرّبة، كان من السهولة مواجهته والتغلّب عليه من خلال استخدام المكننة المتطوّرة، ومن خلال الاستفادة باليد العاملة الشقيقة المتوافرة على حدود ليبيا الشرقية والغربية في كلٍّ من مصر وتونس على وجه الخصوص. (د): إنّ المراقبين جميعهم، فضلاً عن كافّة الفئات المثقفة والواعية من أبناء الشعب الليبي، كانوا يدركون أنّ العقود القادمة، بدءاً من السبعينات من القرن الماضي، ستكون أخطر الحقب وأكثرها حسماً في تاريخ ليبيا المعاصر، حيث أنّ هذه العقود هي الحقبة الوحيدة، منذ حصول ليبيا على استقلالها في عام 1951، التي تهيّأت لها خلالها الإمكانات المادية والمالية الهائلة متزامنة مع وجود الكوادر والخبرات الفنية والإدارية الوطنية. كما أنّ هذه الفئات من أبناء الشعب الليبي كانت تدرك أنّ هذه العقود ستكون أخطر وأثمن مراحل تاريخ ليبيا المعاصر.. وليس بمقدور هذه السنوات إلا أن تكون سنوات الإنجاز والبناء والإبداع " التي لا تتكرّر، أو أن تكون سنوات الفرص المضيَّعة" التي لا تُعوَّض.. @@ رئيس ديوان المحاسبة الأسبق وسفير ليبيا الأسبق لدى الهند