إن أحد أعظم الاتصالات الموجودة في عالم غير بشري توجد لدى النحل إن النحل قادر على أن يتواصل مع بعضه البعض في تمديد المواقع خصوصا مواقع مصادر الغذاء الغنية وطريق العودة إلى الخلية . لقد اعتقد مربو النحل منذ زمن طويل بوجود مثل هذه الحقيقة أن تصبح حقيقة علمية فقد لاحظ مثلاً مربو النحل أنه بمجرد معرفة نحلة واحدة لموقع نكتار غني، فإن بقية النحل المتواجد في الخلايا سيتواجد في الموقع ذاته بعد قليل. وقد لوحظ أيضا أن عدداً كبيراً في خلية واحدة غذائية من مصدر واحد فقط، بينما تقوم النحلات في خلايا أخرى بجمع غذائها من مصادر مختلفة من زهور أخرى. إن هذه الطريقة الانتقائية في الحصول على الغذاء توحي بوجود جهود مشتركة من جانب النحل والتي تعكس وجود نظام اتصال من نوع ما . إن هذه الحقائق عن سلوكيات النحل قد تم فهمها بشكل أفضل اليوم فنحن نعلم اليوم أن النحل يتواصل فعلا، وأن اهم خصائص هذا النظام الاتصالي قد تم الكشف عنها بواسطة الباحث كارل فون فرسك وزملائه (1967) فقد اكتشفوا أنه بمجرد معرفة نحلة ما لموقع مصدر غذاء فإنها تعود مسرعة للخلية، ومن ثم تتواصل بطريقة معقدة مع شريكاتها في الخلية عن مصدر الغذاء ذاك. والرسالة المنقولة تحتوي على بعد المصدر عن الخلية، وبأي اتجاه يتم الطيران وأي نوع من الغذاء هو . لكن كيف يتم التواصل ؟ إن رسالة النحلة المستكشفة يتم التواصل معها من خلال أنماط معينة من الحركات ، تسمى رقصاً على الجدار الأفقي للخلية. وهناك نوعان من الرقصات يعتمدان على موقع مصدر الغذاء بالنسبة للخلية: الرقصة الدائرية، ورقصة الثمانية (حيث تقوم بالدوران على شكل ثمانية بالإنجليزية 8 ) فإذا كان المصدر للغذاء اقل من 10 أمتار للخلية فإن النحلة تؤدي الرقصة الدائرية أما إذا كانت المسافة أكثر من 100 متر فأنها ترقص رقصة الثمانية . والرقصة الدائرية عبارة عن الدوران باتجاه واحد لتكمل الدائرة وتعود من جديد للدوران بالاتجاه المعاكس وبشكل متكرر لعدة مرات. وتتوقف النحلة على نحو مستمر لتمرر عينه من ذلك الغذاء إلى شريكاتها بالخلية . كما أن سرعة ومدة الرقصة تعكس جودة نوعية الغذاء. ومن اللافت للنظر أن النحلة المكتشفة لا تقوم بالرقص في خلية فارغة وهذا يدل على أن الرقص ليس عملية آلية كنوع من الاستجابة مرتبطة بالعودة إلى الخلية مع كمية مصدر غذاء غنية. وقد قام فون فرسك وزملاؤه بالعديد من التجارب للتأكد من هذه الملاحظات ففي إحدى التجارب، تم تدريب النحل لجمع الغذاء من مركز غذاء قريب من الخلية. وقد تم تغذيتهم بمحلول سكر قليل التحلية، وأثناء التغذية تم وضع علامات نقط صغيرة من الصبغ على النحل حتى يتم التعرف عليه، عندما تم التدخل في مصدر الغذاء، توقف العديد من النحل الموسوم من القدوم، بالرغم من أن بعض النحلات المكتشفات استمرت في تفقد مصدر الغذاء من حين لآخر. ولكن ما أن تم تمويل المصدر بمحلول غني بالتحلية في ذلك الموقع، فقد قامت النحل المستكشف بالعودة إلى الخلية وقامت بأداء رقصة دائرية عنيفة. ومن 174 نحلة حضرت رقصته النحلات المكتشفات فان مالا يقل عن 155 نحلة قد عادت إلى مركز التغذية خلال خمس دقائق. كما أن النحل الراقص قادر على تدريب النحل الجديد للتجمهر على مركز غذاء تم اكتشافه مؤخراً. فالنحلات الحديثات لا تضيع وقتاً في البحث عن نوع زهور غير صحيح، حيث أن رائحة مصدر الغذاء على النحلة المستكشفة الراقصة قد تم رصده من قبل النحلات المنجذبات للرقصة. فبمجرد أن النحل الحديث قد حضر الرقصة فانه قادر على الطيران عشوائياً حول الخلية والبحث عن الرائحة التي تم رصدها على النحلة الراقصة. ولذلك فإن النحلة المكتشفة عادة ما تترك رائحة معينة على مصدر الغذاء لتساعد النحل الجديد في الوصول للمصدر بشكل صحيح وسريع. أما رقصة الثمانية، فهي مخصصة لمصدر الغذاء لما هو أبعد من 100 متر. وكالرقصة الدائرية، فان النحلة المكتشفة تأتي للخلية لتقوم بالرقص لتدل باقي النحل على موقع مصدر الغذاء. ولكن عندما يصبح مصدر الغذاء بعيداً، فإن النحل الجديد يعتمد على الرائحة لمعرفة المصدر. ولا تشمل الرقصة المسافة المطلوبة للوصول لمصدر الغذاء بل أيضاً تحدد الاتجاه الضروري للوصول للهدف. وللرقصة درجة عالية من الدقة والصحة. ويستخدم النحل قوة اتجاه الجاذبية لتحديد الاتجاه، فالنحلة المكتشفة تقوم بالرقص باتجاه الشمس داخل الخلية أو بالطيران بعيداً عن اتجاه الشمس، وبذلك يستطيع بقية النحل تحديد الزوايا. وبذلك تصبح اتجاه الشمس وقوة الجاذبية المؤشر الحقيقي للنحلة المكتشفة الراقصة للوصول مع بقية النحل للهدف. أن أحد أهم خصائص الاتصال لدى النحل، أن النحلة المكتشفة والتي عادت لترقص لبقية النحل قادرة على تحديد الموقع دون الحاجة للطيران شخصياً لذلك الموقع. فالنحلة المكتشفة التي رصدت موقع غذاء جديدا، تعود مباشرة للخلية وتتواصل مع النحل بعكس خط قدومها وهذا ما لم تقم به من قبل.