يحاول الشيخ صالح اللحيدان في كتابه النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث في طبعته الثانية التي صدرت مؤخراً عن دار الشواف بالرياض أن يستدرك الأخطاء التي حدثت في الطبعة الأولى سواء الأخطاء المطبعية أو أخطاء المنهج البحثي في الكتاب وعدم استيفائه لكثير من الأمور التي ناقشها في هذه الطبعة باستفاضة. وينتقد هذا الكتاب ثلاثة من كتب التراث المهمة حوت الدليل والتعليل لحكم عبادة وحكم معاملة. ويتعامل مع هذه الكتب حسب المنهج الذي اتبع فيه، ويرى المؤلف أن حال التحقيق في كتب التراث تحتاج إلى نظر متمكن ورأي حصيف ويراع مجرب ولذلك وضع هذا الكتاب. ويرى المؤلف من خلال مقدمة الكتاب أن التحقيق اشتغل به أناس كثيرون وداخله الاستخفاف فصار كل من عرف كيف يجمع وينقل يدخل في هذا المجال. وقد جاء هذا الكتاب - بحسب المؤلف - نقدا وتحليلا عاما لكل كتاب فقه جمع فيه صاحبه بين الفقه والحديث، فهو قاعدة عامة واضحة يرغب من ورائها في شرح هذه الكتب لتعم الفائدة للقارئ ويزيل الالتباس عنه.كما ينفع نقداً عاماً لكل ما يقع بيد العلم وطالب العلم من هذه الكتب المنتشرة والتي زخرت بها الحياة ما بين تحقيق وتخريج وتصحيح وتضعيف ومواجهات نقدية بين كتاب ربما يكون هدفهم الإصلاح وتوضيح الفكرة إلا أنهم انحرفوا إلى نقد الذات والانتصار للنفس والمبالغة في التعلق بالرجال كما هو حاصل. فالكتاب الأول الذي يناقشه اللحيدان في كتابه هذا جاء بعنوان (اختلاف العلماء للإمام المروزي.. نقد ونظر) ويقول عنه إنه كتاب نادر في موضوعه من حيث الحاجة خاصة في هذا الحين فهو غزير المادة جليل القدر فيما حواه، ويحاول المؤلف من خلال قراءة استبطانية لهذا المؤلف أن يستجلي فوائده ويبين بعض مقاصده وفي نفس الوقت يحاول تقديم نقد علمي على ما جاء فيه، وفي نفس الوقت يبين مدى استفادته منه وتقديم هذه الفائدة للقارئ. ويركز اللحيدان في نقده على الشخصيات والرجال الواردة أسماؤهم في كتاب المروزي ويقول مثلاً في هذا الجانب (والسامرائي أهمل هذه المسألة من الناحية النصية والفقهية فقد قام بترجمة عطاء وما بعده، و مقتضى التحقيق علمياً ومسئولية إيضاح مثل هذا بنفس طويل وخلفية متمكنة وقد أورد المروزي صيغة التمريض في نسبة القول هذا إلى عطاء ولم يجزم به). أما الكتاب الثاني الذي يعالجه المؤلف فهو (أدب القاضي للإمام الطبري نقد ونظر)، وبين فيه أن القضاء مهم وذو شأن جليل وأمره خطر وآداب القضاء وعقلية وفكر ونفسية القاضي أهم لبيان الموهبة، ومن يحسن به القضاء ومن لا يحسن به. وعن الكتاب يقول المؤلف: لقد بين المحقق الجبوري أهمية الكتاب والحاجة إليه وما فيه من نافع علم وخير نص، ثم يأتي على سيرة الطبري ويبين فضله وعلمه، ويقول إن دراسة حياته مجردة تعطي صورة لما كان عليه والده من حب عظيم لولده أن يكون علماً شامخاً للناس قولاً وعملاً، وهو الأمر الذي دفعه لكي يقوم بنقد كتابه سالف الذكر وتبيين أخطائه ففيه الحسن والضعيف والصحيح ولذلك جاءت ضرورة التحقيق فيه لبيان درجة السند في حال رجاله ثم الحكم عليه. أما الكتاب الثالث فهو (إرشاد المسترشد في تهذيب مذاهب أئمة الهدى في الفقه وأدلته للشيخ محمد أولى بن المنذر)، وقد اتخذ اللحيدان طريقة في نقده شبيهة بتلك التي قدمت في كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل، وهو كتاب سابق له بين فيه فضل الرجال وطريقته في البحث في هذا المجال. وحاول المؤلف النظر في مصادر علمية كثيرة من شروح وآراء تقتضي الأمانة في النقل مثل الموطأ والمحلى والمجموع للنووي والمبسوط للسرخسي ومجموع الفتاوى لابن تيمية، ويطرح المؤلف كل هذه المصادر ويبسط الحقائق بعقل متجرد وفهم سليم وسعة أفق لعلمه بأهمية المسئولية البحثية الملقاة عليه.