لم يمح الزمن من ذاكرة أبو غسان تلك التفاصيل الدقيقية في منزل ترابي فيه وعاش طفولته وحياة هانئة بين اشقائه وعائلته. صمت ابو غسان قليلا لتمتزج كلماته بحرقة كادت تخنقه لاسترجاع الماضي البعيد واستعادة تلك الذكريات في بيارة البرتقال وحقول الرمان التي طالما جلس تحت ظلالها في قرية التينة بالقرب من مدينة الرملة الساحلية. وقال ابو غسان فى لقاء مع حديث لوكالة الانباء الكويتية /كونا/ ما زلت اذكر اشجار الليمون والبرتقال التي كنت ارويها بيدي ولن انسى حبات البرتقال التي كنت اقطفها من تلك الاشجار لكن لم اشعر انها اصبحت من الماضي. واضاف ان حلم العودة لايزال يراودني ويكبر معي يوما بيوم ويظل هذا الحلم شحنة الامل التي تمنحني القدرة على الصبر والتحمل حتى تلك العودة. وغرق ابو غسان في الحديث عن تلك الايام ليقول انني اسير لتلك الحياة اسير للارض التي تركتها وعائلتي من خلفي التي تحولت الى مزارع يملكها اليهود بعد طردنا بالقوة. حاول ابوغسان كثيرا زيارة منزله وارضه لكن من استولوا عليها حرموه من ذلك وذهب كثيرا الى قرية التينة وسار في شوارعها دون ان يعرف مكان منزل عائلته حيث تغيرت ملامح القرية الوادعة وتحولت الى بلدة اسرائيلية ضيعت كل ماهو جميل فيها وشطبت الذكريات وايام جميلة ما زالت جزءا من ذاكرته. من جانبه بدا اسماعيل درويش من بلدة عمواس حديثه لكونا عن تلك الليلة وهي ليلة التشرد والنزوح ليقول تحولنا بين ليلة وضحاها الى لاجئين نبحث عن كسرة خبز نطعمها لاطفالنا ونبحث عن خيمة لايوائهم نبحث عن مكان امن للهرب من النيران التي فتحت علينا من كل حدب وصوب. وروى درويش قصة امراة تركت وليدها الرضيع في منزلها لم تتذكره الا بعد ان شارفت السيارة التي كانت تستقلها على الوصول الى مدينة الخليل. ويصف ذلك الموقف بانه من اقسى المشاهد في حياته ويضيف لقد احرقت الام قلوب الجميع لكن ليس باليد من حيله فالعودة الى البلدة اصبحت من اصعب المستحيلات لكن كتمت الأم حرقتها في قلبها ومضت تبحث عن امن اطفالها. الحنين الى الارض والمنزل والى يافا وحيفا كان يدفع الكثير من اللاجئين للذهاب في رحلة بحث عن منازلهم التي سلبت منهم بغير حق والعدد القليل منهم كان ينجح في الوصول الى مبتغاه. من بين هولاء المحامي بشير الخيري الذي ذهب وثلاثة رجال يكبرونه سنا الى منزله في الرمله ليرشدوه عن مكان منزله وصل الى هناك وطرق باب منزله وخرجت امراة يهودية تدعى داليا رحبت به بعد ان قص لها حكايته. دخل بشير منزله وطاف في حجرات المنزل وبكى كثيرا بعد ان تلمس احجار المنزل لتعود به الذكريات التي لم يكن يعيها جيدا. عاد الى رام الله وروى لاشقائه ماشاهد واصر احد اشقائه على الذهاب لرؤية المنزل وكان له ما اراد. وعند خروجه قطف من حديقة منزلة حبة ليمون من تلك الشجرة التي زرعها والده ووضعها في المنزل كتحفة جميلة وبعد ذلك زارت داليا اليهودية منزل بشير في رام الله وحينها قص عليها حكاية والده الذي كان يقبل حبة الليمون كل يوم والدموع تنهمر من عينيه واتفق بشير وداليا بعد ذلك على تحويل المنزل في الرملة الى روضة لتعليم الطلبة العرب وواجهوا صعوبات كبيرة في تحقيق ذلك حتى تم تحويله الى روضة. وحمل احمد طه 78 عاما مفتاح منزله الذي يحتفظ به وقال ان هذا المفتاح لن يصدأ وسيظل حتى عودتنا الى ديارنا. واضاف طه اننا نربي اولادنا على حق العودة ليظلوا يتمسكون به اذ انهم لم يعيشوا تلك الايام لكنهم يعرفونها جيدا ونحن نحكي لهم الحكاية وهم بدورهم يدافعون عن تلك الحقوق ويورثونها لابنائهم.