وضع تصوير جنود أمريكيين وهم يسيئون معاملة أسرى عراقيين الولاياتالمتحدة بجلاء على الجانب الاخر من مسألة حقوق الانسان التي ظلت حجر الزاوية للسياسة الخارجية الامريكية لعقود. ولم تسفر الصور التي فجرت عاصفة من الغضب في أرجاء العالم سوى عن جعل الر ئيس الامريكي جورج بوش وإداراته يقدمون الاعتذارات عوضا عن ملاحقة دول أخرى بدعوى انتهاك حقوق الانسان. بل أن هذه الضجة تسببت في تأجيل إصدار التقرير الامريكي السنوي المتعلق بحقوق الانسان. وأمام هذا الكم من الصور الذي يصور الجنود الامريكيين وهم يعذبون ويسيئون معاملة السجناء العراقيين اضطر الرئيس بوش وكبار المسئولين الاخرين على مخاطبة المشكلة علنيا والاقدام على خطوة نادرة بالاعتراف بأن مصداقية الولاياتالمتحدة قد تضررت بشدة. وقال بوش لقناة العربية الفضائية يوم الاربعاء إنها مسألة خطيرة. وأضاف: المسألة انعكست بصورة سلبية على بلادي. وأبلغ نائب وزير الخارجية الامريكي ريتشارد أرميتاج لقناة الحرة التي تمولها الولاياتالمتحدة سيستغرق الامر وقتا طويلا...كي نتعافى. وفي اعتذارها أمام العالم لوحظ أن الادارة الامريكية بدت صريحة وعبرت عن أسفها بلهجة استرضائية على غير العادة في الاعتراف بالجرم وهي اللهجة التي تتناقض مع حالة الاستعلاء التي بدت عليها عندما خاطبت العالم بفشلها في الكشف عن أسلحة الدمار الشامل في العراق على سبيل المثال أو عندما تنفذ سياسات تثير مشكلات تغضب دولا أخرى. ولم يظهر الخجل على المتحدث باسم الخارجية الامريكية ريتشارد باوتشر يوم الجمعة وهو يبلغ الصحفيين عن القلق الذي أثاره الحلفاء المقربون لامريكا وتشككهم بشأن ما إذا كان سيجري معالجة المسألة بصورة مناسبة. وقال باوتشر: يريدون أن يعلموا ماذا نحن فاعلون. وأردف قائلا يريدون أيضا أن يعرفوا ما إذا كانت لا تزال هناك ثقة في الولاياتالمتحدة في الاهداف ومقدرتنا على معالجة المواقف مثل هذه المسألة وتصحيح الاخطاء التي ربما تنجم عنها داخل نظامنا. وخرجت أقوى موجة من الانتقادات من الدول الاوروبية بصفة خاصة حسبما قال أرميتاج يوم الخميس في حديث مع شبكة سي.إن.إن الامريكية. وأكد أرميتاج أيضا أن التقرير السنوي الثاني حول دعم حقوق الانسان والديمقراطية: التقرير الامريكي الذي كان من المقرر نشره الاسبوع الماضي أرجئ صدوره بسبب مستوى الضجيح حول مسألة الاسرى العراقيين. ويتناول التقرير الجهود الموثقة التي تتخذها الحكومة الامريكية لتشجيع مراعاة حقوق الانسان إلى جانب تقرير مرفق عن سجل حقوق الانسان في العالم على ضوء ممارسات الحكومات والدول. وتعهد بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد بمعاقبة الجنود المسئولين عن عمليات الاساءة والتعذيب للسجناء العراقيين لكن احدا لم يصدقهم. وقال وزير الخارجية الامريكي كولن باول إن العدالة ستأخذ مجراها بطريقة ستكون واضحة للعالم أجمع الا ان الاكتفاء بالتأنيب والوعد بتقديم صغار العسكريين للمحاكمة واصرار رامسفيلد وزير الدفاع على البقاء في منصبه جعل الكثيرين يشككون في ذلك. والعملية الديمقراطية لتناول مسألة إهانة الاسرى العراقيين الجارية على قدم وساق في الولاياتالمتحدة بما في ذلك الشهادة التي أدلى بها رامسفيلد أمام الكونجرس الامريكي على مدى ست ساعات كاملة يوم الجمعة كشفت عن أنها هي الجانب المضيء فقط بالنسبة للولايات المتحدة في المسألة برمتها. فمن السخرية أن شعوب الدول العربية الذين ثاروا بشدة من جراء عمليات التعذيب يعيشون في مجتمعات يصعب على قادة الحكومات محاسبتهم عن أخطائهم وهي الملاحظة التي نوه بها رامسفيلد خلال جلسة الكونجرس الامريكي التي أذيعت على قناتين إخباريتين عربيتين. ويتعرض رامسفيلد الذي أعلن اعتذاره العميق للسجناء الضحايا لضغوط للاستقالة من جانب عديد من أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين الغاضبين الذين لم يكونوا يعلمون بأمر هذه الصور قبل أن يعلن عنها في وسائل الاعلام العالمية الاسبوع الماضي أو عن تقرير أنجز من عدة أسابيع عن الاساءة التي تعرض لها الاسرى.