كنت أقرأ قصيدة الجواهري في ابي العلاء المعري فوقفت منها على قوله : ==1== صاح الغراب وصاح الشيخ فالتبست ==0== ==0==حقائق الأمر أي منهما نعبا !! ==2== وقفت عند هذا البيت لا لدقة معناه أو غموض ألفاظه، بل لأنه يكرر وهما شائعا في الثقافة العربية القديمة، وهو التشاؤم من الغراب المسكين، في حين أنه من الطيور الوديعة، وإذا كان أبو العلاء معروفا بالتشاؤم وله أعذاره في ذلك، فما هو عذر الجواهري وقد عاش في القرن العشرين ؟ وهنا رجعت إلى بعض المصادر التراثية، وأهمها كتاب الحيوان للجاحظ وتلك التي تتعرض لسيرة الشاعر ابن الرومي الذي لا يجاريه أي شاعر في (الطيرة) ورحت اسأل : إذا كانت البيئة الطبيعية المجدبة والتي تتوقف حياتها على صدفة المطر قد أورثت الشاعر الجاهلي أو الذهنية الجاهلية عموما سمة التطير والتشاؤم فلم أصبح ابن الرومي أشهر متطير وهو قد ولد ونشأ في بغداد وعلى ضفاف دجلة ؟ هل التفاؤل والتشاؤم اللذان نحت منهما الروائي أميل جيبي كلمة (المتشائل) لا علاقة لهما بالبيئة الطبيعية للأفراد ؟ أي هل هما استعداد نفسي محض ؟ تجيب بعض المصادر قائلة : التشاؤم استعداد نفسي لرؤية الجانب السيئ في الأشياء ويستند إلى مذهب فلسفي يقول: إن الشر في العالم أكثر من الخير. أما التفاؤل فهو عكس ذلك أما مصدر آخر فيقول: التشاؤم مصدره اتساع الشقة بين الأمل والواقع ، أو بين قدرتنا وبين ما نبغي، وكما ترى فإن هذا الرأي ليس صلبا . نعود إلى حديث ابن الرومي : (كان أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش غلام أبي العباس المبرد في عصر ابن الرومي شابا مترفا ومليحا مستظرفا، وكان يعبث فيأتي بيت ابن الرومي بسحر فيقرع الباب فيقال له : من ؟ فيقول : قولوا لأبي الحسن: مرة بن حنظلة ، فيتطير ابن الرومي من هذا الاسم ، ويقيم الأيام لا يخرج من داره، وذلك سبب هجائه إياه، فاعتذر إليه وتشفع بجماعة من أهل بغداد فقبل عذره ومدحه بقصيدته التي يقول فيها : ==1== ذكر الأخفش القديم فقلنا ==0== ==0==إن للأخفش الحديث لفضلا ==2==