نحن نتأثر بما حولنا بشكل مستمر. ويتحقق التأثير والتأثر حتى وإن لم نكن على إدراك بحدوثه، فالتأثير المتبادل مع حولنا عفوي الحدوث لا يتطلب القصد ولا النية. فمثلا عندما يبكي الطفل وتلتقطه أمه فيكف فورا عن البكاء فإنه بهذا التأثر المتبادل سيطر كل من هذين الاثنين على سلوك الآخر وإن لم يكن أي منهما مدركا لما حدث. فالطفل يشجع بتوقفه عن البكاء أمه على التقاطه عندما يبكي في المرات القادمة، والأم تشجع طفلها على البكاء بالتقاطها له عندما يبكي، وكلا هذين التأثيرين يحدثان عفويا وبدون إدراك من معطيه ومتلقيه. كذلك فإن المعلم يتأثر عفويا بسلوك تلامذته مثلما هو يؤثر في سلوكهم، وقد يتشكل لدى المعلم أنماط معينة من السلوك بفعل التشجيع العفوي من الأطفال لهذه الأنماط على مر السنين. وقد تكون تلك الأنماط من السلوك مستحسنة أو قد تكون غير ذلك. وقد يتيقظ المعلم للسيئ منها فيحاول التخلص منها، وقد ينجح وقد لا ينجح. أحد الأنماط السيئة التي عادة ما تجدها لدى معلمي الأطفال هو تكوين الانطباع العجل عن القدرات الذهنية لكل طفل في فصله ثم يتصرف إزاء كل واحد منهم بموجب هذا الانطباع، فيلتفت بعفوية لا يدركها إلى من يتوسم فيه الذكاء وينصرف عمن يرى فيه النقص في القدرة الذهنية. فإن كانت تلك الانطباعات خاطئة، كما هي في كثير من الأحيان حتى وإن امتدت بالمعلم التجربة، فإن من وُسِم بالضعف في القدرة الذهنية سيعاني إهمال المعلم وكل ما يترتب على هذا الإهمال غير المقصود من إضعاف لقدرات المتمكن من هؤلاء الأطفال. مثل هذه الأمور تستدعي إعادة تدريب المعلم بشكل متكرر إما بدورات قصيرة تقدم له بين الحين والآخر أو بندوات يتم فيها تبادل المعلومات عن الخبرات المختلفة لبعض المعلمين أو بالقراءة في مجال التربية والتعليم. هذا التدريب يمكنه من التيقظ لأي أنماط حسنة أو سيئة من السلوك وتحديدها، ويمكنه كذلك من تطوير التصرف المناسب حيالها مثل تشجيع النمط الحسن من السلوك والعمل على استمراره وتثبيط السلوك السيئ والعمل على إيقافه. إلا أنه يجب في المقام الأول تدريبه على أدوات التحكم بالسلوك ومعرفة العوامل المؤثرة فيه، فهذا يجعله قادرا على تشكيل التصرف السليم تجاه أي سلوك من أي من طلبته يستحوذ على انتباهه.