منذ فترة طويلة, لم يشهد النادي الادبي بالرياض حضورا كثيفا على هذا النحو, ومنذ فترة اطول لم تتنوع شرائح رواد انشطة النادي, كما حدث مع الاحتفاء بأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري. فقد امتلأت قاعة الاحتفالات كما لم يحدث من قبل, بل ضاقت مساحة القاعة عن استيعاب كل الذين اتوا لحضور حفل التكريم, فتحلقوا في جلسات داخل بهو النادي, يتابعون ما يحدث داخل القاعة تارة, وينصرفون الى شؤون اخرى تارة. لقد كانت سمات الاختلاف بين هذا المهرجان التكريمي, وغيرها من المناسبات الاخرى التي يقيمها النادي شديدة الوضوح. ولعل هذا ما يسوغ اهمية الشخصية المحتفى بها تكريما في واحدة من اهم فعاليات النادي, للدرجة التي جعلت بعض الذين لم يتمكنوا من الحضور ان يسجلوا اعذارهم بشكل علني على الملأ, مؤكدين انه لولا الظروف الخارجة عن الارادة لما تأخروا عن مناسبة مثل هذه. فقد ارسل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رسالة خطية قرأها عنه الدكتور عبدالله الحيدري - مدير الامسية - قال فيها: لقد كان يعز على نفسي ان تعقد ليلة تكريم النادي لرمز رفيع من رموز الثقافة السعودية المعاصرة, وهو الاستاذ الشيخ ابو عبدالرحمن بن عقيل, دون ان احظى بشرف الاسهام في تكريمه والاحتفاء بموقعه العالي بين حملة القلم, وصانعي الفكر في عالمنا اليوم, فضلا عن الحضور والمشاركة بالمشاعر وبالتقدير للنادي على خطوته. وحول تلك الاسباب التي حالت دون حضوره استطرد الدكتور الشبيلي يقول: ولعلكم تعلمون اننا قد التزمنا ومنذ اشهر بوعد احياء ليلة تكريم مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي في (اثنينية) عبدالمقصود خوجة.. هذه الليلة في جدة, واشعر بصدق بان المشاركة في احدى المناسبتين مشاركة في الثانية, فهما علمان وقمتان نفخر بهما يتوجان تاريخنا الثقافي المزدهر. بين خيارين لم يكن الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عضو مجلس الشورى هو الوحيد الذي اعتذر بشكل علني, فبنفس الطريقة, ارسل الدكتور محمد بن سعد الشويعر هو الآخر رسالة خطية, قرأها عنه كذلك مدير الامسية الدكتور عبدالله الحيدري, جاء فيها: عندما تتزاحم المشاغل مع مناسبة اثيرة على النفس يتمنى المرء ان يكون بيده ان يستطيع حضور مثل مناسبة تكريم النادي الادبي بالرياض, لابي عبدالرحمن بن عقيل, الاديب الذي ملأ السمع والبصر بأعماله العلمية والادبية, ولكن يعلم الله وانا اكتب اليكم من مكةالمكرمة, انني سبق ارتباطي مع جامعة ام القرى منذ ثلاثة اشهر على المشاركة في ندوة تكريم الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن نافع مدير المعارف السابق فصرت بين خيارين, لكن للسابق حق التقديم خاصة انني لا استطيع الاعتذار للجامعة لانني مشارك ولست مدعوا. وقد اتفق الموعدان في ليلة واحدة, مع بعد المسافة بين المكانين, ولعل الليلة الثانية يسعدني الحظ فيها بالحضور ان سهل الله امر الاركاب الذي كان في انتظاره, رغبة في ادراك هذا العرس, في قاعة النادي الادبي التي اتوقع لها حضورا يليق بمكانة ابي عبدالرحمن وبما يضفيه على هذه الامسية من ينابيع ادبه وذكرياته التي يتوقعها منه كل من عرفه باسلوبه الجيد وعباراته المألوفة. لمحات شعرية هكذا تبدى الحرص على الحضور, حتى وان كان ذلك الحضور عبر كلمة اعتذار تلقى بالانابة, وهذا يعكس الدور الفاعل للشيخ ابن عقيل الذي اثرى الحياة الثقافية السعودية بالكثير والكثير من العطاء. وقد ترك هذا الدور اثرا حتى على غير السعوديين من العرب المقيمين في المملكة. وقد تجلى هذا الاثر في قصيدة الشاعر الدكتور محمد خير الدين البقاعي الذي القى قصيدة طويلة كتبها في ابن عقيل متناولا شخصيته كعالم ومفكر واديب وانسان. وقد كانت درجة الصدق والتلقائية التي تفوح من القصيدة خير شاهد على ان المديح احيانا يكون شعرا خالصا ساميا فوق اي شبهة للرياء, فالشخصية التي كتبت فيها القصيدة لا يختلف عليها احد من حيث الدور الذي تحظى به على الخريطة الثقافية السعودية, ولذلك كانت درجة الصدق عالية في قصيدة الدكتور البقاعي وكذلك في قصيدة الشاعر ابراهيم بن عبدالرحمن المفدى الذي وصف الشيخ ابن عقيل قائلا:==1== شيخ تميز في اخلاقه عظة==0== ==0==لو يغمر النشء منها زان وازدانا جم التواضع مطبوع بخلقته==0== ==0==يرعى محبيه شيبانا وشبانا==2== وعلى هذا النحو من العرفان برحلة طويلة قطعها ابو عبدالرحمن بن عقيل على دروب المعرفة, تنوعت فقرات الحفل, حتى جاءت لحظة التكريم فوقف رئيس نادي الرياض الادبي الدكتور محمد الربيع لتسليم الدرع التذكارية للشيخ ابن عقيل وسط حضور كثيف من الادباء والعلماء والمفكرين ثم دعاة للحديث. فبدأ الحديث شعرا عبر قصيدة طويلة كانت هي الاخرى شكلا من اشكال الوفاء والتكريم لرموز رحلوا عن عالمنا كان منهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن غصون. الى جانب ما طرحته القصيدة من هموم ذات اتصال حسي ومعنوي مباشر بقضايا الامة الاسلامية ولم تكن كلمة الشيخ ابي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري التي تلت القصيدة الا تواصلا مع روح القصيدة نفسها فقد عزفت كلمته الارتجالية على العديد من اوتار الالم العربي والاسلامي, مشيرة الى وعي عالم مستنير تشغله قضايا امته, وتشغله قضية جوهرية ظل مخلصا ولايزال لكل تفاصيلها. وكما هو المعتاد منه دائما كان حديثه ممتدا الى كل الجهات, وكأنه يغرف من نبع معرفي غير معلوم الحدود. وعلى الرغم من الكلمة القصيرة, الا انها كانت دليلا كافيا على شخصية مثقف موسوعي. لم تتوقف قوافل اطلاعه عند محطات معددة, وانما ذهبت الى كل رافد, واخذت منه ما يليق بالمبادئ التي يؤمن بها. والقى ابراهيم الوزان رئيس الاندية الادبية في المملكة كلمة اشاد فيها بالضيف مؤكدا على اهميته وحضوره الفعال على الساحتين الادبية والثقافية في المملكة. ابو عبدالرحمن الظاهري