الفتوى بما تكتنهه من رصيد ديني، وما يحيطها من قداسة روحية وفقهية، وما تفعله في نفوس متبعيها من تأثير قوي، خصوصا إذا كان هؤلاء النفر من المتبعين ممن يستمعون الفتوى فيطبقونها دون سؤال أو فهم وإعمال للعقل النقدي في قراءة الفتوى للتبصر فيها، ولتطبيقها في حال صحتها تطبيقا سليما، أو العدول عنها وتعطيلها في حال تبين خطؤها وبطلانها. هذا التسليم الأعمى للفتوى أوقع المجتمع في كثير من المشكلات، وخلقت لدينا تيارات متطرفة، لا تفهم الإسلام إلا من باب الإقصاء والاستلاب، مستلبة منك حريتك، وإسلامك، معتقدة أنها بذلك تطيع الله، فيما هي تعصيه دون ان تعلم. التطرف السلوكي الذي تمارسه جماعات العنف في البلاد، لم يكن إلا نتيجة تطرف فكري فقهي فتوائي، راح أصحابه يوزعون صكوك الفتن والمحن من خلاله،في عملية تصنيف حفاظا على دم الإسلام النقي من أي دماء أخرى. الغريب في مطلقي هذه الفتاوى أنهم لا يبالون بما يحيطهم من ظروف، ولا يدرسون سلبيات عملهم هذا من إيجابياته، غير مستفيدين مما مر من دروس وأحداث وفتن عصفت بالمجتمع، وقادت مجموعات من شبابه لقتل الأبرياء وكره الناس، لا لشيء سوى امتثال لأمر هذه الفتاوي. ندعو أصحاب الفتاوى الكارثية أن يريحونا منها، فكفانا تكفيرا وتخوينا، لأن الوطن لا يتحمل مزيدا من الجراح.