لا ريب ولا شك أن العزاء أمر مستحب، والغاية منه تعزية أهل المتوفى، ومشاركتهم أحزانهم، وهو من حقوق المسلم على أخيه المسلم، لكن الملاحظ تجاوز البعض في العزاء وجعله أمرا من الضروريات الاجتماعية الواجب فعلها، وقد يجعلها البعض دينا عليه الوفاء برده للمعزي، أي بمعنى قولهم فلان له حق علينا، إذ انه كان من اوائل المعزين لنا، وعلينا واجب الرد، وفلان لم يعز، لذا ليس له حق علينا. وهكذا حتى أصبحت القضية منفعة متبادلة ومجاملة اجتماعية. الأمر الآخر التجاوز في إقامة مراسم العزاء في السرادق والمخيمات واستئجار صالات لاستقبال المعزين، وقد لا تفرق بين الأفراح والأحزان، وكل ما علا شأن المتوفى اجتماعيا، يجب ان يكون العزاء مناسبا لوضعه الاجتماعي والأسري، وقد تمتلئ الصحف بعبارات العزاء ويتوافد المعزون من كل مكان؛ لتقديم واجب العزاء، حتى من علية القوم. ناهيك عما يحدث في المقابر أثناء الدفن، ولو ارخيت السمع لوجدت الأكثرية يتحاورون في امور جانبية، وقد يرتفع الصوت بالضحكات والتعليقات، والواجب احترام الموقف، وتقدير اهل المصاب والأهم الدعاء للمتوفى، فهو احوج ما يكون إليه، خاصة في هذا الوقت، لأن الجميع سيخرجون بعد دفنه وقليل منهم من يذكره بدعوة. الملاحظ، ان البعض يحرص على صلاة الجنازة، وحضور العزاء، بل ويحث الجميع على الحضور ويقف على رأس الميت ويدعو له بالثبات، وهذا امر يشكر له، لكن لو توجت عملك العظيم بالحرص على الفرائض خاصة صلاة الجماعة فقد جمعت بين الخيرين. العلماء المعتبرون الذين خصهم الله بالخشية منه عن سائر عباده، لم يقيموا مراسم للتابين، ولا مخيمات للعزاء، وهم أحرص الناس على تطبيق شرع الله!! أعجبني ما انتشر بين الناس حديثا، هو قصر أوقات العزاء بساعات محددة، تبدأ من الرابعة عصرا وحتى الثامنة مساءً، وهو وقت يناسب أهل المتوفى وذويهم. عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر الله لميتكم، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده لأجل مسمى، اصبروا واحتسبوا، نماذج من الأدعية المأثورة للتعزية، أما الفرط وهو الطفل الصغير، فالدعاء المأثور أثناء الصلاة عليه هو: «اللهم اجعله فرطا وذخرا لوالديه، وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم» أسأل الله أن يرحم موتانا جميعا ويسكنهم فسيح جناته.