استند على كرسيه محملقا في زوايا القاعة .. غير مكترث بضجيج الطلبة من حوله .. رنا اليهم بنظرات يشع من داخلها سؤال محير؟! ينبش في سكون صمته الذي اعتاده , صاح في وجهه انتبه يا فارس الدكتور بدأ المحاضرة .. تململ في جلسته ثم انتحب واخرج قلمه .. أخذ يخط ما جال في ذاكرته , عاوده الصمت مجددا بينما القلم يعبث يمنة ويسرة ونزف حبرا يشكل خطوطا متوازية باتجاهات عدة. حدث نفسه: يا لها من مكافحة , لم تكن تعتاد الجلوس الا قليلا لتعاود النهوض خلسة تتوارى مع غيوم السماء , مضمخة بنشوى تعبق روحها الطاهرة , ووجهها الباسم .. كان ذاك البيت الذي تخاذلت جدرانه المهترئة يردد صدى الدائم وهي رافعة أكف الضراعة تدعو ثم ما تلبث أن تطوي مصحفها وتلك السجادة الثمينة التي أتت بها من ديار الحرمين حينما عادت من الحج. دلفت الى غرفتي , تمسح على جبيني تدعو لي , مخفية تنهيدة . غالبتها على حين غفلة اعتنى بنفسك اجعل كتاب الله دائما امامك هذا ما كانت تردده حينما اغلقت حقائبي استعدادا لرحلة طويلة. استفزه صوته المشحون غضبا .. أطبق على يديه انتبه من غفلته أخرج كتابا كان محشورا داخل مذكرات كثيرة برزت من داخله ورقة سحبها بصمت ثم اخذ يقرأ . جذبه صديقه من طرفي قميصه . ها هي قد انتهت المحاضرة . خرجا من ضجيج القاعة , أخذا يجوبان الشوارع ثم دلفا الى مسكنهما, صاح صديقه هيا فارس الطعام جاهز. اتى بخبز ووضعه على طاولة ممهدة يعلوها طبق من بقايا طعام الامس حدث نفسه , آه ما ألذ ذاك الطهو وتلك الميدين اللتان ما برحتا يلقمانني منذ كنت صغيرا. اخذا يأكلان بنهم شديد يسبق أعاصير يعلوها رذاذ متطاير , أخذ يتلو آيات من الذكر حينما لامس جسده السرير. راح في سبات عميق , تتشابك الاحلام والرؤى خياله الواسع .. وبتمتمة تكاد لا تفهم ازاح غطاء السرير جانبا . آه يا هذا المساء الذي يرعبني بصمته , لم يبق سوى ايام وألتقي بها وتتبدد وحشتي , فقط أيام واعود حاملا شهادتي تسمر جالسا .. أخذ يهذي يتذكر , زفرات تخرج شاهقة يعود لصمته.اقترب من نافذة الطائرة جلس على المقعد المجاور للساحة المطلة كاد الصمت نطبق على وجوه الآخرين .. ما عدا صوت بكاء طفلا يبدو أن طول مكوثه جعله يصرخ بينما أمه تهدهده لكي ينام .. صمت وهدوء. حاورته دمعة تنبىء عن حدث مفاجىء . لم يكترث لخيالاته آه اعوذ بالله .. حدث نفسه. علا صوت المضيفة .. التزموا المقاعد .. حان الوصول الحمد لله على السلامة .. ما أن تخطى عتبات السلم بخطوات تخبو تم تشتعل حتى فتح الباب ودلف للداخل , حاملا بيده أوراقه بينما الاخرى تمسك بطرفي الباب. في وجل وتردد , نادى لم يعد لصوته صدى ثم نادى وهو يتحرك الى الامام .. في تلك اللحظة تسمر جالسا على تلك الاريكة بجانب سريرها , ورفع كلتا يديه مسح بهما دموعه واراها الم اصطبغ بحبر الورق الذي تساقط اشلاء مبعثرة. واستحال على اديم الارض يعانقها بصمت مطبق تلاشت على اثره آمال السنين. فاطمة الخماس @ من المحرر: رؤى تتشكل نحو بنائية القصة القصيرة فثمة حدث وشخصيات وزمان ومكان وتداع واستخدام للذاكرة وسرد عابه عدم الاتساق احيانا ولكن بالقراءة الدائمة والكتابة المستمرة يمكن أن نحتفي بقاصة في المستقبل.