في مراسم العزاء التي أقامتها سفارة فلسطين لدى المملكة إثر جريمة اغتيال الشيخ المناضل أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الاسلامية حماس، استغرب سعادة سفير فلسطين لدى المملكة السيد مصطفى هاشم الشيخ ديب مقاطعة سفراء الاتحاد الأوروبي لمراسم العزاء التي قدمها المعزون من سفراء ودبلوماسيين ومواطنين عرب من مختلف الفئات، وقال السفير: انه لم يحضر أحد من السفراء الغربيين لتسجيل عزائه في السجل الخاص في السفارة، وهو أمر مستغرب منهم، كما قال، انتهى كلامه. ومع أنني أشد ما أمقت السياسة يوم تغدو عاجزة عن مشاركة البشر في مجرد تعبير عن موقف انساني يشترك في انكاره أو قبوله كل الأسوياء، إلا أنني استغرب أكثرمن (استغراب) سعادة السفير، حيث ان هذه المواقف على بساطتها تسفر عن الوجه الحقيقي لعلاقة شائكة بين الشرق والغرب، وتظهر بجلاء أن مسلسلات الركض العربية وراء سراب السلام ليست سوى ركض من طرف واحد، وان العرب على طول الخط بل سعي مشكور ولا حتى بواكي لهم في أوجاعهم! لا أحد من السفراء الغربيين في أي مكان لديه استعداد ليصنفه أحد على أنه من المعادين للسامية مثلا، أو من المتعاطفين مع ما يسمى (إرهاب فلسطيني) ولا أحد منهم مستعد ليضحي بمستقبله السياسي والوظيفي يوم يظهر في هيئة المتعاطف مع الفلسطينيين أو العرب في عمل ارهابي غادر. أما العرب على النقيض الآخر.. فهم انسانيون الى أبعد الحدود، لحد السذاجة أحيانا، يتسارعون للشجب والاستنكار لأي عمل يزعج الأصدقاء، رافضين الارهاب بكل أشكاله وصوره! بل تكاد حدود الرحمة والانسانية فيهم تتجاوز الى أبعد من ذلك، فلو ماتت كلبة ملكة بريطانيا أو نعى البيت الأبيض كلبة الرئيس فهم يتسابقون لنشر الخبر على الصفحات وفي نشرات الأخبار، وكأن ثلمة من العروبة قد ثلمت! ولولا بقية حياء لقدموا التعازي الحارة لهذا الشعب الصديق! إذن فالمعادلة مقلوبة في أصلها ولا تكافؤ بين الطرفين فهل يسوغ الاستغراب؟ أغبط الغرب، رغم كل التباينات معهم، لأنهم يملكون أهدافا واضحة يسعون لتحقيقها خيرة كانت أم شريرة، ومن أهدافهم ومبادئهم تنطلق كل سلوكياتهم وردود أفعالهم لتعكس هويتهم، بعكس الذين يجربون كل يوم مشية يمشونها يبحثون بين الخطى عن هويتهم الضائعة بعد أن زهدوا في جذورهم وأصالتهم.