للأعمال المهنية والحرفية أهمية كبيرة للمساهمة في إجمالي الناتج القومي لأي بلد في العالم، حيث يعتمد اقتصاد الكثير من الدول عليها لتوظيف الكثير من الحرفيين والمهنيين الذين يكسبون الدخول المالية الضرورية لمواجهة متطلبات الحياة. ومهما يعتقد السعوديون من صعوبة في الانخراط في بعض المهن مثل الحلاقة والخياطة والنجارة والسباكة وغيرها بسبب النظرة الدونية القاصرة لبعض أفراد المجتمع السعودي تجاه أصحاب هذه المهن إلا أن هذه النظرة الخاطئة ستتغير مع تزايد الضغوط الاقتصادية والحاجة للعمل. وعندما يلتحق السعوديون بهذه المهن والحرف فإنهم سيعيدون دخولهم منها للدورة الاقتصادية في وطنهم، وذلك بعكس الوافدين الذين يرسلون ملايين الريالات شهرياً بتحويلات مصرفية إلى ذويهم في بلدانهم مما يؤثر في استقرار وقوة الاقتصاد السعودي. فالوقوف على التحويلات في البنوك المحلية بنهاية كل شهر، بل في كل يوم يذهلنا بعدد وقيمة التحويلات المالية إلى بلدان مختلفة في العالم ما يوضح مدى القوة الاقتصادية للمهن التي يعزف عنها السعوديون لأسباب اجتماعية وضعف التأهيل. ولقد حان الوقت ليتخلص الشباب السعودي من عقدة المكتب والكرسي الدوار والتوجه نحو الأعمال المهنية لمساعدة أنفسهم وعائلاتهم ووطنهم. وسيفتح الخروج من دائرة المكتب والكرسي الطريق أمامهم لشغل الأعمال الحرفية والمهنية ذات الدخول العالية، فالمعرفة بالصناعة أمان من الفقر. والجدير بالذكر أن أصحاب المهن والحرف يكسبون أموالاً كثيرة لأنها تتطلب مهارات عالية في معظم الأحيان، وبهذا سيفرض السعوديون الذين ينخرطون في هذه المهن أنفسهم على سوق العمل بدخول عالية. وقد يقرر المهني مواصلة تعليمه الجامعي النظامي أثناء مزاولته مهنته لتمكينه من كسب شهادة وتعلم حرفة أو مهارة معينة يجيدها لتوفر له وظيفة ذات دخل عال بعد تخرجه. ونجد الكثير من الشباب الحرفيين في معظم الدول الصناعية لا يحملون شهادات جامعية، بل لديهم مهارات تطورت بالصقل والتدريب لتواكب التغيرات التقنية في العالم. والعقبة التي يواجهها السعوديون تكمن في التركيبة الاجتماعية المعقدة للمجتمع السعودي الذي لا يزال يحتقر مهن الحلاقة والسباكة والنجارة والخياطة، لذلك فالسعوديون بحاجة ماسة لتغيير المفهوم السلبي للمهن والحرف. تتزايد الحاجة إلى توعية منهجية جادة لتغيير اتجاه المجتمع نحو بعض الوظائف المهنية غير المرغوبة من قبل بعض أفراده الذين ينظرون لها باحتقار، لذا يجب أن تتضمن التربية الوطنية استراتيجية هادفة لتغيير النهج الوظيفي والمهني عن طريق المقررات الدراسية النظامية في مختلف المراحل التعليمية حتى نهاية الثانوية العامة. ويدخل في إطار مسؤولية الباحثين والأكاديميين في الجامعات السعودية والجهات الحكومية المعنية تغيير الثقافة القديمة وترسيخ ثقافة العمل المهني وتوضيح أعداد العمالة الوافدة ودخولها من وراء هاتين المهنتين وغيرهما من المهن والحرف ليكون ذلك حافزاً قوياً لتوجيه وتشجيع السعوديين للانخراط في الأعمال الحرفية والمهنية المجدية. فالجدوى الاقتصادية للأعمال المهنية التي يسيطر عليها الوافدون من الجنسيات المختلفة تبدو واضحة في عدد المحلات المنتشرة في كل مدينة وقرية في المملكة. وعند قبول السعوديين للعمل في هذه الحرف والمهن فإنهم سيقللون من حجم الهجرة إلى المدن الكبيرة بحثاً عن العمل لتوافر الفرص في مدنهم وقراهم القريبة من سكنهم، فذلك سيخلق وظائف في القرى مما يقوي اقتصادها. * أستاذ الإدارة الإستراتيجية والتسويق المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن [email protected]