في بحثي تركت لرؤياي استغوار الاعماق في الكلمة والزمن والانسان وذلك من خلال بعض الاسئلة مثل : ماذا بين الشعر والشعر؟ وماذا بين الحداثة والشعر؟ وكيف تحولت النقوش الجدارية الاولى الى رقم. واستمرت بين كتابة نفسها ومحوها الى ان تملصت من تراتيلها الاولى مهاجرة الى طورها الجديد (الشعر) كفضاء لحرية العالم الداخلي وايقاع تحولاته في الحضور والغياب والشكل . ثم تساءلت عن مدى قدرة هذا الفضاء على التحليق والاغتراب والتمايز في تركيبية البنية الكلية للقصيدة من واقع ورمز وتحديث واسطرة وسريالية وتزهد. وكل ذلك من خلال الكيفية الدينامية لحركة العناصر المتساررة بالحجب والكشف، والتي قرأتها كتناغم لبنية شعرية لا تتآلف الا حيث الدهشة النازحة من اقصاها الى اقصاها. تلك هي اللحظة الغائبة والمختزلة في دراستي التي استشفت تحولات المشهد الشعري العربي منمزجة القصيدة السعودية ابتداء من لحظة انحرافها عن المألوف والتقليدي من النظم والصورة وابتعادا عن سطحية الماء والزمن دخولا في حركة الماء المتحولة كما رأينا في تجربة الرائد (محمد العلي) ثم كيف تداعت هذه البنية محايثة المعاصر الشعري من صورة وترامز وغرابة نتجت من تداخلات الساكن في المتحرك. ومن تركيب المبعثر اليومي سواء بشكل سردي شعري ام سيناريوهاتي يصور الحركة بحركة او بسكون تشكيلي سمعي وبصري، ومن امتزاجات المتخيل بالكلمة ذات النسق الشفيف العميق المرتكز على المفارقة واستبدال المكونات والتملص من حمولة الدلالة المعتادة للكلمة لشحنها بدلالة جديدة تتناسب مع نسقها بصوتياته وصمتياته واشاراته ومقصديته المتحررة الى العزلة او اللا وجود او الى الطقس الخفي من مخيلة الاعماق ومخيلة القصيدة. وبناء على هذه المنهجية القرائية ، ماذا نستنتج؟ القارئ للقصائد يستطيع استبصار حالات كتابية متنوعة منها : 1 الحالة النوستالوجية للموروث وزنا وصيغة، مفردة ونسقا لدرجة التقليد والمحاكاة والتقمص والاستنساخ، 2 الحالة النوستالوجية للخروج الى الغرابة الشعرية ملفوظا وصورة وعلائق وحلمية متوسلة الى ذلك طاقة الشاعر المتثاقفة مع الماضي المضيء والحاضر القلق من جهة، ومن رؤية فنية اخرى المتثاقفة مع المخيلة وتقنيات القصيدة المعاصرة من تشاكل رمزي وصوفي وتشكيلي وسردي وضمائري واختزالي، 3 الحالة المتوازية الناتجة عن حالتي الحنين السابقتين حيث اليومية المألوفة بصورتها المصابة بنوع من النزوح وذلك حين تخف وطأة الشرح والتفسير والاستطالة والحشو ، بمعنى آخر : حين تكثف الكلمات حضورها بفضائها المكتوب والدلالي. ولا ننسى ما في المبنى الشعري من تناص واضح سواء من ناحية الادوات الفنية ام من ناحية الموروث الجمعي المتزاوج مع الذاكرة الذاتية للشاعر. وتظهر التناصية بكيفيات واشكال مختلفة منها التناص التضميني او التناص المحاكاتي او التناص التحاوري او التناص التحويري او التناص الدلالي كما يحدث مع الرمز الاسطوري او الصوفي او الديني. واظنني حاولت ابتداء من العنوان ان اشير الى ان الحداثة في الشعر قادرة على استيعاب محاور الملتقى بكافة اتجاهاته الواقعية والرمزية والتاريخية والاحيائية والتجديدية والايقاعية والاسطورية والصوفية و.. الخ. كما اعتقد بأنني اشرت الى اللامع من سر الادهاش في القصائد التي قرأتها ، وعن اسباب تحولاته من اللا شعر الى الشعر، كما اشرت الى الخافت الباهت المكرور والعادي معللة لماذا هو كان كذلك.. واعتمدت التنظير والتطبيق بتداخل مناسب يشي بحداثته التي رأت كيف تتذروى الحركية الفنية مع قيمتها الموضوعية لتنجز بين المتخيل والواقع مسافة حلمها المشتعلة. كما رأت من بعد موشوري آخر كيف تهبط الحركة والمكونات لتصيب المكتوب بعدوى الاعتياد. وتظل الحداثة مفتوحة على الشعر المفتوح على حداثته، ليكتمل باللا انتهاء ظل الذي لا يكتمل. وهنا ينتبه المعنى فيسأل : ماذا بين الحداثة والشعر؟ @ ملخص بحث قدم في (ملتقى النص) في النادي الثقافي الادبي بجدة