يشاع دائما بأن العولمة قادمة وانه لا خيار لنا نحن في العالم الثالث سوى الانصياع والاستسلام لها وتوفيق اوضاعنا لمسلماتها، فهي حتمية تاريخية. فرانسيس فوكاياما (نهاية التاريخ ومأتم البشرية) التي راهن فيها على حتمية تشكيل العالم اللاغربي بالنمط الغربي في الحياة بكل صورها. النموذج الغربي له جاذبية خاصة في مجال الحريات وحقوق الانسان والنمو الديمقراطي ولكن فيما عدا ذلك فهو فج سطحي متخم بالمخاطر والانحرافات التي تهدد الاسرة والنسيج الاجتماعي وتخلق فيه خللا واضحا يعاني منه الان المجتمع الغربي. ولا يخفى على من عايش ذلك المجتمع من ان يرى كيف يصطلى اهله بنار ذلك الاعوجاج. فشلت الحملات الصليبية والعسكرية اللاحقة والهيمنة الاستعمارية في زعزعة عقائدنا وتقاليدنا، وجاءت العولمة كما يقرر د. محمد عابد الجابري لافراغ الهوية الجماعية وتكريس الانشطار في الهوية الثقافية العربية. فالعولمة احلال للاختراق الثقافي مكان الصراع الايدلوجي. وهانحن تترى علينا المصائب من كل حدب وصوب وما ان تشرق شمس كل صباح فوق اديم كرتنا الارضية حتى نسمع ونشاهد مواقف مقننة تدب دبيب النمل داخل كياننا لتخلخله وتجعل السوس ينخره وينهار السقف على ساكنيه. وعندئذ يسهل استئناسه بل افتراسه واختراق كينونته الثقافية عبر البرامج المستهدفة للذات. في فارط الايام طل علينا برنامج (وضيع) اسمه (ستار اكاديمي) يبث من قناة (ال بي سي) اللبنانية هذا البرنامج والذي يستحي ابليس ان يتابعه اصبح يدخل في اغلب البيوت العربية الا من رحم ربي هذا البرنامج الذي هو مستنسخ من برنامج فرنسي اصبح يرشد كل شاب وفتاة عن ماهية الاستقلالية بالرأي وعن حرية التفكير. هذا البرنامج الذي يريد ان يخرج الفتاة من خدرها ويخدش حياءها صار يصيح في وجهها (كفاك تخلفا!) هذا البرنامج (الرخيص) صوت لابطاله الصامتين! الملايين من ابناء الوطن العربي (يا ترى كم عربي صوت ضد اقامة الجدار الصهيوني). احد الزملاء الاتراك اخبرني ان البرلمان التركي اصدر فرمانا يقضي بايقاف برنامج ستار اكاديمي (الالماني) بعد ان شوهدت لقطات (ساخنة) تبث من ذاك البرنامج! لن انساق كثيرا في (عفن لوكيمي) فقد سبقني كتاب غيورون تناولوا هذا الموضوع بتفاصيله المخجلة حتى الثمالة. لكن مابهرني وزاد من غيظي هو ان عدوى هذا البرنامج انتشرت بسرعة تفوق انتشار عدوى انفلونزا الدجاج الصيني! قبل عدة ايام دلف الى مكتبي احد الزملاء وسألني : هل شاهدت برنامج (الرئيس) او الاخ الاكبر الذي يبث من مملكة البحرين عبر قناة ام بي سي 2 والتي استجابت للضغوط التي مورست عليها حتى توقف هذا السخف حسب ما تحدثت به بعض الصحف، وهذا لايمنعنا من نقده كظاهرة يمكن ان تتكرر في احدى القنوات الفضائية العربية الاخرى. لم امهله طويلا واجبته بالنفي. لكن ماهو هذا البرنامج؟.. وماذا يقدم؟.. قال لي: هو نسخة كربونية من برنامج ستار اكاديمي! ولك ان تقوم بزيارة الى موقع البرنامج لتطلع عليه عن كثب! بعد كبس زر صغير وجدت نفسي داخل منزل وسط جزيرة جميلة تحيط به امواج صغيرة، هذا المنزل مزود بجميع مستلزمات الراحة النفسية فهناك اربع وعشرون كاميرا موزعة على جميع مرافق المنزل (لكنها ليست كاميرات خفية) لكي يتمكن المشاهدون من متابعة جميع الاحداث المثيرة التي تحدث خلف الجدران! هذه الاحداث المثيرة والمشوقة هي التي تميز (الرئيس) عن غيره فالمشاهدون يتابعون جميع تفاصيل حياة المشتركين خلال فترة وجودهم في (المنزل) ليقرروا في النهاية وبعد ان يمكثوا 84 يوما في هذا المكان من يستحق ان يكون (الرئيس)! وبحكم اني أربأ بنفسي وبكم من مشاهدة هذا البرنامج او من هو على شاكلته سأنقل لك عزيزي المتصفح بعضا من احاديث هؤلاء (الرعاع) وبعضا من مفاجآتهم التي لا تلتقطها اي من الكاميرات الاربع والعشرين كما قرأته من موقعهم! تقول احداهن بعد ان شوهدت وعيناها مغرورقتان بالدموع لقد اوحشها والدها كثيرا، لا سيما وانه كان مريضا حين توجهت الى بيت الرئيس ذلك اليوم!. الاخرى تقول: انا صريحة وجريئة واحب الاستقلالية.. واخرى تقول انها تشعر بان فلانا يضطهدها ولا يعاملها بحفاوة مثل باقي زميلاتها وقد وضح ذلك لها من خلال استقباله لها اول يوم في البيت (ولماذا لم تغاري من استقباله لزملائك مثلا؟) واخرى تحدثت بكل صراحة وجرأة عن حياتها الخاصة وتحديدا عن المشاكل التي نشبت بينها وبين زوجها وقال (ان اشتراكي في هذا البرنامج كان له هدف رئيسي غير الحصول على الجائزة وهو الحصول على الطلاق من زوجي) حيث اعتبرت ان اشتراكها بالبرنامج سيمثل اداة ضغط مباشرة وفعالة على زوجها الغيور، والذي لن يقبل ان تشارك زوجته في برنامج تلفزيوني مثل برنامج الرئيس.. مانقلته هنا هو جزء يسير من كلام هؤلاء وباعترافاتهم الشخصية حيث لا ناقة ولا جمل فيما خطه يراعي. لكن السؤال الموجه لك يا اخي رب الاسرة ولك يا اختي يامن تشاركين زوجك في بعض من مسؤولياته الجسيمة هل بعد ما اوردناه وان كان يسيرا ستسمحون لهذه البرامج ولهؤلاء الرعاع ان يتغلغلوا داخل منازلكم؟! شباب الامة وشابات المستقبل هل هذه البرامج هي من سترفع من شأننا وتجعلنا في مقدمة الركب؟ لن ازيد على ذلك وسأترك لعقولكم حرية التفكير ولضمائركم الحكم على مايطرح ويشاهد ويقدم في هذا الوقت وسأمهر مقالتي هذه مذكرا بحديث لقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قلنا يارسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن اذن)؟!...