ارتبطت التنمية الاجتماعية في بلادنا بالبترول ومشتقاته ارتباطا وثيقا فحاجاتنا الاستهلاكية الاساسية اليومية كالنقل والاسكان والتعليم وغيرها تعتمد بشكل مباشر على مشتقات البترول كمصدر للطاقة ومن المسلم به ان المكان الوحيد الذي يمكن ان يزود سياراتنا وطائراتنا وسفننا ومحطات الكهرباء بالوقود هو مصافي تكرير البترول لكن القليل يعلم ان خلف قطرة الزيت قصة تحكى وتحديات تواجه نقف هنا على احدى هذه القصص التي قد تواجه العاملين في مثل هذا القطاع وبشكل دوري. قرار ايقاف معمل التهذيب المستمر قبل الخوض في قرار ايقاف معمل التهذيب المستمر من الضروري ان نشير الى ان هذا المعمل ينتج بدرجة اولى المادة الرئيسة لوقود السيارات التي نقودها في كل صباح وان هذه المعامل بحاجة ماسة للفحص والاختبار للتأكد من سلامة وجودة معداتها كما تمليها المقاييس والمعايير الهندسية في ارامكو السعودية. وفي معمل التهذيب كان من المخطط ايقافه في بدايات عام 2004م لاجراء عمليات الفحص والاختبار وكان قد توصل مهندسو مصفاة رأس تنورة الى دراسة مفادها انه من الممكن رفع انتاجية هذا المعمل من 40 الف برميل في اليوم الى 47 الف برميل فيما لو عدل تصميمه الداخلي وهذه العملية تتطلب ايقاف المعمل تماما لاجراء هذه التعديلات. ولم يكن امام قسم التكرير في مصفاة رأس تنورة سوى خيارين: اما ان يؤجل اجراء هذه التحسينات الداخلية للمعمل حتى بداية عام 2004م حيث سيتوقف المعمل عن الانتاج لاجراء عمليات الفحص والاختبار كما هو مخطط له في حينه لتتم التحسينات الداخلية وهذا الخيار يعطي المهندسين فسحة من الوقت ولكن ستخسر المصفاة 7000 برميل يوميا مما يوازي خسارة مليون ونصف المليون برميل بحلول نهاية عام 2003م. واما الشروع حالا في ايقافه واخضاعه لعمليات الفحص والاختبار والتحسينات والتي تنطوي على تحديات ومخاطر من حيث قلة المواد وضيق الوقت وكان الخيار الذي اعتمده رئيسا قسمي التشغيل والصيانة علي الحازمي وحسن مبارك هو ايقاف المعمل ومواجهة التحدي وحث المهندسين على تقديم جدول عمليات الفحص والاختبار لهذا المعمل الى مايو عام 2003م بدلا من عام 2004م. تحد من كل جانب كان الاستعداد المبكر لاعمال الصيانة الضخمة هو احد اهم عوامل نجاحها وقد افتقدت هذه الخاصية في عمليات الفحص والاختبار لمعمل التهذيب المستمر لعنصر المفاجأة. وتعد عمليات الفحص والاختبار اهم جانب اوكل الى ادارة الصيانة تنفيذه وتحتاج مثل هذه العمليات الى استعداد مبكر قد يصل الى سنتين قبل الشروع في تنفيذه وفي عمليات فحص معمل التهذيب لم يكن لدينا سوى شهرين للقيام بالمهمة وهو تحد من نوع جديد لم يؤلف من قبل مما الزم ادارة المصافة مضاعفة الجهد والعمل المتواصل الدؤوب لكي تنجز هذه العملية في احسن صورة واقصر وقت وبسجل حافل بسلامة الجميع. والجدير بالذكر ان اكبر تحد واجهه مهندسو ومهنيو المصافة خلال هذه العملية هو تقليص مدة اعمال الصيانة من 35 يوما الى 18 يوما مما حدا بالبعض المراهنة على استحالة ذلك وكان الواقع خير شاهد على قوة وعزيمة فريق العمل الشاب وقدرته على تحمل المسؤولية وادائها على الوجه المطلوب. الارقام تتحدث لكي يتصور القارىء الجهد المبذول لانهاء هذه العمليات في الوقت المحدد لابد من ايضاح حجم العمل المطلوب انجازه ولان لغة الارقام هي اقرب للعقل فسنورد شيئا منها: لقد تم فحص ما يربو على 136 معدة ونقل 28 مبدلا حراريا الى ورش منطقة الاعمال الشمالية لاصلاحها وفتح 49 وعاء للفحص والاختبار و9 اعمدة مفاعل وتقطير تتراوح اطوالها من 10 امتار الى 150 مترا فوق سطح الارض كما تم تنظيف ما يربو على 27600 انبوب حراري والتي استخدمت تقنيات حديثة لتنظيفها وتعد هذه العمليات هي الاشمل من نوعها لهذا المعمل الذي تم بناؤه في عام 1998م ولم يخضع لعمليات فحص واختبار بهذا الحجم من قبل. فريق العمل النخبة اختير لهذه المهمة فريق عمل متكامل من كل من ادارات الصيانة والهندسة والعمليات وقد تحمل هذا الفريق تبعات قرار الاطفاء وتقليص مدة اعمال الصيانة من 35 يوما الى 18 يوما ونجح في اداء هذه المهمة بنجاح حيث استطاع هذا الفريق وفي وقت لا يتجاوز الشهرين توفير جميع المواد والمعدات اللازمة لعمليات الفحص والاختبار مع العلم بانه لم يكن متوافرا من هذه المواد سوى 30 بالمائة حينما تقرر ايقاف المعمل خلال شهرين كما ان بعض هذه المواد لم يصل الا قبل يوم او يومين من الوقت المحدد لبدء اعمال الصيانة.يضاف الى هذه النخبة فنيو ورش منطقة الاعمال الشمالية الذين تمكنوا من اصلاح 27 مبدلا حراريا في وقت قياسي لا يتجاوز 13 يوما مما تطلب منهم مواصلة الليل بالنهار من العمل المضني. كما كان لفنيي ورش مصفاة رأس تنورة الميكانيكية دور بارز في اصلاح 15 صمام تحكم في وقت وجيز كان لا يتجاوز في بعض الاحيان اليوم الواحد لاصلاح الصمام الواحد. وكان الفريق المؤلف من موظفي مصفاة رأس تنورة وورش منطقة الاعمال الشمالية والورش الميكانيكية قد اشرف مباشرة على هذه العمليات ابتداء من التخطيط لها حتى تنفيذها على ارض الواقع. سجل سلامة حافل تعد سلامة الموظفين احدى الركائز المهمة التي عنيت بها ادارات مصفاة رأس تنورة عند التصدي لهذه الاعمال الضخمة وقد خصص رجل سلامة لهذه العمليات كان من مهامه متابعة سير الاعمال والتأكد من اوضاع السلامة المختلفة وتقديم التوجيه والنصح والارشاد للعاملين وايقاف العمل متى مالزم الامر وكان النجاح الاكبر خلال هذه العمليات هو سلامة الموظفين جميعا حيث انجز ما يقارب من 35200 ساعة عمل دون اصابة.