إن أداء البعض لعمل ذي مغزى يتعين أن يجده بنفسه. وربما لا يوجد من هو قادر على تقديم تعريف لهذا النوع من العمل. وعلى الرغم من أن العثور على عمل من هذا النوع يتطلب منا جهدا كبيرا وان نتعرض لضغوط لكن هذا النوع من العمل يمنحنا الطاقة التي تثري مجمل حياتنا. لا يوجد ميثاق أخلاقي يحتم على المنظمات أن توفر عملا ذا مغزى بيد أن عليها التزامًا بتقديم نوع العمل والأجور التي تمد موظفيها بالهمة والنشاط وتوفر لهم قدرًا من الاستقلال الذاتي في عملهم وفي حياتهم الخاصة. وكتاب (حياة العمل) لمؤلفته جوان سييلا للناشر تايمز بوكس هو بحث في معنى الحياة والمكانة التي يحتلها العمل في المجتمع الحديث. وهو لا بالمرشد الذاتي فيما يتعلق بتحسين جودة العمل ولا هو بالدراسة العلمية الاجتماعية الجافة. وتطوف جوان سييلا بنسق واسع من الأفكار من مصادر شتى تستقيها من كتابات أرسطو وهوميروس ورجال الدين والمصلحين وجهابذة الاقتصاد وفناني عصر النهضة الأوروبية وماركس ولينين وروسو ومن جهابذة الإدارة في القرن العشرين علاوة على عدد من الساسة ومشاهير المجالات الأخرى. وهذا النهج المتوازن وهذه الدراسة الدقيقة للتاريخ تبين المعاني الكثيرة لكلمة العمل التي لم يفكر الناس فيها قط. وتبين أن العمل لا يفي دائما بكل تعهداته. وتبين كيف أن المجتمع قد تجاوز كثيرًا أخلاقيات العمل التي تهب للعمل قيمة أخلاقية وتبين كيف أننا - وللخطورة- نعتمد على وظائفنا بوصفها المصدر الأساس لهويتنا وجدارتنا والإحساس بالانتماء والإنجاز الذي نحصل عليه من عائلتنا وأصدقائنا وديننا ومجتمعنا المحلي. وعن طريق الكشف عن بعض الحقائق الأساسية وإن لم تكن حقائق مشهورة بشأن علاقة الإنسان بالعمل، تفضح جوان الأفكار المضللة والخاطئة التي تبين بوضوح ما نحب وما لا نحب بشأن العمل. ومن الأوجه التي تمت تعريتها وردت في الانتقاد الكبير الذي قدمته المؤلفة للإدارة الحديثة على المستويين: النظري والعملي. وقدمت لائحة اتهام لها مبررات وجيهة بحق جهابذة الإدارة بمن فيهم بيتر دراكر وتصريحاتهم الداعية إلى (التركيز على محاولة إرضاء المرء أكثر من التركيز على إيجاد مكان عمل تسوده العدالة). وهي بهذا تضرب على أيدي من يقدمون وعودا للموظفين لا يستطيعون الوفاء بها على الأقل في المستقبل القريب. ومع انتهاء كتب (حياة العمل) يجد القارئ أسئلة كثيرة تطرح نفسها بدون إجابات محددة عليها ولا حتى إرشادات تقوده إلى الإجابة عنها مثل: هل تحسّن العمل؟ هل زادت جرعة العدالة في مكان العمل؟ هل تحسّنت معاملة الأفراد؟ هل حسّن العمل من جودة حياتنا؟ هل جعلت منا وظائفنا أشخاصًا أفضل؟ وثمة شك يساورنا في أن الإجابة على كل ما سبق هي ب"لا"، بل و"لا" مدوية. ونشك في أننا جميعنا نعرف الإجابة أو على الأقل نشك فيها. وما فعلته جوان سييلا هو أنها أرغمتنا على أن نراجع حياتنا وأن نعيد تقييمنا للعمل، وأن نبدأ في أن نجعل عملنا ينسجم مع حياتنا بدلا من أن نجعل حياتنا تنسجم مع عملنا. ويوفر لنا تحليلها أداة لا تقدر بثمن في القيام بهذه المراجعة وذلك التقييم وعملية الانسجام المرجوة. إن ما ورد في الكتاب من عرض وتحليل يجعله قمينًا بأن يدرس في المرحلة الجامعية من أجل مساعدة الطلاب على فهم الدور الذي يلعبه العمل في حث المجتمع على البحث من أجل العثور على معنى. The Working Life The Promise and Betrayal of Modern Work By: Joanne B. Ciulla 240pp. Times Books