تلعب الولاياتالمتحدة دوراً رئيسياً في مؤتمر سوريا المقبل ومحادثات البرنامج النووي الإيراني وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، إلا أن البعض تعجب وتساءل بشأن ما إذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يمتلك استراتيجية واضحة للمنطقة أم لا, مشيرين الى مغامرات غير محسوبة للرئيس اوباما في الشرق الأوسط. وتعتبر عودة ظهور تنظيم القاعدة والاضطرابات بين السنة والشيعة في كل من العراقوسوريا اختبارا لنفوذ الولاياتالمتحدة المتآكل في منطقة الشرق الاوسط ومنطق سياستها الخارجية التي بنيت على الابتعاد عن المشاكل في هذه المنطقة. وتساور اجهزة الاستخبارات الاميركية مخاوف من ان توسع معاقل متطرفي القاعدة في سوريا المضطربة يمكن أن يزيد من اعداد الجهاديين الذين قد ينفذون عمليات ارهابية في الولاياتالمتحدة واوروبا. ويجري كبار المسؤولين الاميركيين وعلى رأسهم نائب الرئيس جو بايدن اتصالات هاتفية مكثفة مع بغداد لحث رئيس الوزراء نوري المالكي على التصالح مع العشائر السنية في محافظة الانبار الغربية قبل ان يهاجم مسلحي جماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) المرتبطين بتنظيم القاعدة. جهود امريكية محمومة وتعكس الجهود الاميركية المحمومة الصعوبات التي يواجهها البيت الابيض في مواكبة وتيرة الثورات والتفكك من مصر الى سوريا ومن لبنان الى ليبيا. وتريد واشنطن من المالكي ان يتبنى استراتيجية من شقين لضبط تقدم القاعدة. الاول هو المصالحة مع العشائر السنية، والثاني هو القيام بعمل عسكري. الا ان البعض هنا يشككون في قدرة القوات العراقية الحديثة التشكيل على طرد المقاتلين من الفلوجة التي احتاج فيها الاميركيون الى الدعم الجوي للانتصار في العملية القتالية التي كانت من بين الاكثر دموية منذ حرب فيتنام. وبعد عامين من انسحاب القوات الاميركية من العراق، تشعر واشنطن بالاحباط من ان المالكي لم يبذل الجهد الكافي لتهدئة الخلافات الطائفية التي اشعلها الغزو الاميركي للعراق في 2003. ماكين والتضحيات وقال السناتور الجمهوري جون ماكين ان التضحيات الاميركية "اهدرتها ادارة ارادة الخروج، ولم تشأ أن تبقى وتعزز المكاسب التي تحققت بالدم والمال الاميركيين". ويقول منتقدو اوباما انه فشل في التوصل الى اتفاق لإبقاء قوة اميركية في العراق، وهو ما كان يمكن ان يحافظ على النفوذ الاميركي ويمنع عودة القاعدة، بحسب رأيهم. ويقول ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية "ان الذين كانوا يدعون الى الابقاء على قوات اميركية في العراق بعد 2011 حذروا من حدوث ما يحدث الان. وللاسف اعتقد ان تحذيراتنا تحققت". الا ان البيت الابيض يرفض فكرة ان ابقاء قوة اميركية صغيرة كان يمكن ان يحول دون وقوع اضطرابات طائفية. الا ان سيناريو دخول العراق في حرب اهلية شاملة سيلطخ ارث اوباما ويقوض مزاعمه بانه "انهى الحرب". استعجال الخروج ويقول منتقدون ان انسحاب القوات الاميركية من العراق وعدم استعداد اوباما لتسليح المعارضين في سوريا وقراره عدم توجيه ضربة عسكرية لدمشق عقابا لها على استخدامها المفترض لاسلحة كيميائية، هو رسالة واضحة عن رغبته بعدم التدخل المباشر ويقول السناتور الجمهوري ليندسي غرهام "ما استغربه هو أن سياستنا الخارجية لا تركز على تهديد القاعدة المتزايد". وقال ديفيد اغناتيوس الصحافي في الواشنطن بوست والمعروف بعلاقاته الممتازة مع الاستخبارات الاميركية، في مقال نشر مؤخرا ان ادارة اوباما واثناء استعجالها للخروج من العراق، سمحت لايران بان تحول المالكي والعراق الى "عملاء افتراضيين" وتقوض النفوذ الاميركي. التحديات الرئيسية وفيما يلي نظرة عامة على التحديات الرئيسية التي تواجه واشنطن في الشرق الأوسط :- سوريا : نظر النقاد الى قرار أوباما في اللحظات الأخيرة، كما يبدو، بالعدول عن هجوم وشيك على سوريا في سبتمبر الماضي، على أنه خطأ خطير. فقد وضع خطا أحمر ثم تراجع وقوض مصداقية النفوذ العالمي. ووعد كذلك بمساعدات للثوار في الوقت الذي لم يتبلور ذلك بشكل تام. ويرى المحللون أنه وقبل كل شيء فإن تلميحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بإمكانية لعب طهران دور غير مباشر في محادثات جنيف تبدو وأنها غير منطقية تماما. فطهران تعد أحد المؤيدين الرئيسيين للأسد وأرسلت مستشارين عسكريين وأعطت الضوء الأخضر لاشتراك مقاتلين يحصلون على تمويل إيراني من حزب الله اللبناني في النزاع. العراق : تلقى أوباما الإشادات على انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 ووصف ذلك بأنه أحد إنجازات السياسة الخارجية المهمة للرئيس الأمريكي. وكانت إمكانية زيادة العنف والإرهاب جزءا من الحسابات لكن الصعود الأخير لمتشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة في أجزاء من البلاد يضع واشنطن تحت الضغط. ويرى المنتقدون، ومن بينهم الكثيرون في الكونجرس، أن الانسحاب الأمريكي أحد الأسباب وراء ذلك. ويعد رد فعل واشنطن مثالا على التذبذب الذي يسير به أوباما حيث وعدت إدارة الرئيس الأمريكي بتزويد بغداد بصواريخ وطائرات بدون طيار ودعت حكومة نوري المالكي إلى التواصل مع أقلية السنة في البلاد. لكن كيري أوضح أنه لن تكون هناك قوات أمريكية في أي جهد لتهدئة الموقف. وبحسب البيت الأبيض فإن العنف الطائفي ازداد حتى عندما كان هناك 150 ألف جندي أمريكي في البلاد. مصر : يطارد شبح الإطاحة بحسني مبارك، الحليف الأمريكي لفترة طويلة، أوباما منذ عام 2011 مثلما هو الأمر بالنسبة لإطاحة الجيش بمحمد مرسي في شهر يوليو الماضي. ويبدو ان واشنطن تحاول مسايرة مجريات الاحداث في مصر. وتواصل الامتناع عن وصف الإطاحة بمرسي بالانقلاب. إسرائيل والفلسطينيون: يستحوذ الاضطراب الحالي في الشرق الأوسط على اهتمام أكبر من التوصل الى اتفاق سلام تنتج عنه دولة فلسطينية، لكن واشنطن جددت مساعيها في هذا الصدد بعد أعوام من الجمود. ومنذ تولى كيري منصبه كوزير للخارجية العام الماضي سافر إلى الشرق الأوسط عشر مرات ويأمل بتقديم مقترح لاتفاق إطاري إسرائيلي فلسطيني في غضون شهر. وبالتعامل على أرفع المستويات مع هذه القضية، تخاطر الولاياتالمتحدة بشكل غير محسوب إذا ماتحول الإحباط بسبب المعوقات التي تواجه المحادثات إلى عنف جديد.