إن النتيجة التي سبق أن توصلنا لها في مقالة الأسبوع الماضي من مؤشرات تآكل هذا النجاح الصهيوني القديم الجديد في استثمار قضية (أزمة الضمير) لدى الرأي العام الأوروبي هي ما سبق وأن أكدها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في العام 1944م عندما علق على سلسلة الاغتيالات التي كانت تقوم بها منظمة الارغون الصهيونية المتطرفة ليس بحق الفلسطينيين وإنما البريطانيين قائلا : (وإذا كان الأمر قد وصل إلى حد تبديد أحلامنا وسط دخان مسدسات القتلة، وإذا لم تثمر جهودنا في المستقبل إلا ولادة عصابة جديدة من الارهابيين اللائقين بألمانيا النازية، فإن كثيرين مثلي سيعيدون النظر في ذلك الموقف الذي درجنا على تبنيه فيما سبق، وإذا كان هناك من أمل سلمي لحياة الصهيونية في المستقبل، فإن هذه النشاطات اللعينة يجب أن تتوقف أما هؤلاء المسؤولون عن هذه الأعمال القذرة، فلا بد من استئصالهم بالقتل والشنق) ... تأسيسا على ما تقدم نستطيع القول ان كل ما تدعيه إسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونية اليوم، أو ما تشهره من سيف (معاداة السامية) في وجه كل من يحاول ان يقول كلمة حق تجاه ممارساتها العنصرية في حق الشعب الفلسطيني لا شأن له حقيقة بظروف معاداة السامية في التاريخ الأوروبي القريب والبعيد لأسباب لا أخالها خافية على أي دارس أو متابع لتاريخ الحركة الصهيونية العالمية . فالمفهوم التاريخي لمعاداة (السامية) له أسبابه الدينية، والاجتماعية التي تتصل في المقام الأول بأسلوب حياة معظم اليهود الانعزالي (الجيتو) عن المجتمعات الأوروبية ناهيك عن ممارساتهم ونشاطاتهم السياسية في بعض تلك المجتمعات . ان نص الحوار الذي دار بين كل من هرتزل ووزير المالية الروسي دي وايت فشى في مدينة سان بطرسبرغ عام 1903م والذي أورد الاستاذ حمدان حمدان في كتابه (اغتيال التاريخ: رداً على نتينياهو في مكانه تحت الشمس) الصادر عن بيسان للنشر والتوزيع والإعلام : بيروت 1997م ليمثل دليلا من أدلة عدة على أن ما حصل لليهود عبر فترات تاريخية سابقة لم يكن في حقيقة الأمر إلا من فعل أنفسهم . يقول هرتزل سألني الوزير الروسي : هل حقا تريد إخراج اليهود من بلادنا ؟ أجبت : هذا ما أنوي العمل لأجله سألني : هل أنت عبري حقا ؟ أجبت : نعم . وأنا زعيم الحركة الصهيونية سألني : أذن ما الذي يمكن أن نتبادله من آراء ؟ وراح هرتزل يتحدث بما عنده عن مشروع الاستيطان اليهودي الكبير، فيما وزير المالية يستمع .. غير أن هرتزل توقف عند سؤال كان يجول بخاطره قبل اللقاء حيث سأل الوزير الروسي قائلا : كيف تعللون يا صاحب السيادة سر عداء حكومتكم لليهود ؟ اجاب : إنهم سبعة ملايين من أصل 136 مليونا، لكن نسبتهم في الأحزاب التخريبية تصل إلى ما فوق خمسين بالمائة، إنهم أقل من خمسة بالمئة نسبة للشعب الروسي . سأله هيرتزل : ماذا اقترحتم أذن على صاحب الجلالة القيصر ؟ أجاب الوزير : إغراق ستة ملايين منهم في البحر الأسود . يسأل هرتزل الوزير : وهل كان ذلك حلا عمليا ؟ يجيب الوزير الروسي : للأسف لا . فلابد أن يعيش اليهود ولكن ليس في هذه البلاد . ثم يسأل الوزير الروسي هيرتزل : باختصار ما الذي تريده من حكومتنا ؟ فيجب هرتزل : لا شيء سوى التشجيع فيقول الروسي : نحن نضطهدهم وبذلك نشجعهم على الهجرة . فيستدرك هرتزل : أنا لا أتحدث عن هذا النوع من التشجيع فهو معروف لدي. أما (المعاداة) التي ظهرت اليوم فإنها تتصل اتصالا مباشراً بالسياسات الإسرائيلية وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني مما يعني أنها معاداة للممارسات الصهيونية أكثر مما هي معاداة لليهود كجماعة أو ملة دينية . فإسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونية هما المسؤولتان أولا وأخيراً عن ظهور هذه الحالة من (العداء) لا سيما بعد أن نصبتا من نفسيهما حاميتين لحمى اليهود في العالم معتبرتين أن كل يهودي هو صهيوني عقيدة بالضرورة . أن توقف سيل الممارسات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة لكفيل بإيقاف كل حالة (معاداة) لإسرائيل مما يعني في التحليل النهائي أن الورقة هي في يد إسرائيل .. فهل تلعبها بحكمة ؟ أشك في ذلك . دمتم وعلى الحب نلتقي