عزيزي رئيس التحرير مصطلح ديني يحض على رفع الخلاف بين المتخاصمين أفرادا كانوا او جماعات وهو خلق اجتماعي رائع يتجلى فيه سمو المجتمع وشفافيته عندما يسود بين المتخاصمين روح الود والتآلف. لقد حث الإسلام بسماحته وروحه وبنصوصه على نشر العفو والمسامحة بين الناس حتى لمن تعمد الخطأ عليك وظلمك ونشر معايبك ولو بالكذب والنميمة والوقيعة, ففي القرآن الكريم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) ودل كذلك على كظم الغيظ والعفو عند المقدرة (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس). وقد تجلى هذا المعنى العظيم في خلق الصادق المصدوق نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام، فقد عفا عن قومه من قريش عندما تمكن منهم فقال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وهم قد طردوه وعذبوه وعذبوا اتباعه ليفتنوهم وحاصروا في الشعب مؤمن بني هاشم وكافرهم ومع ذلك عفا عنهم عندما تمكن منهم فقد اعترفوا بعد تمكنه منهم بانه اخ كريم وابن أخ كريم. فخلق الكرماء الأكابر العفو عمن ظلمهم وهو خلق نبيل لا يتمكن منه إلا الأفذاذ من الرجال والنساء. والإصلاح بين المتخاصمين تتجلى صورة في تحمل الديات والاستحقاقات المالية والضمانات فمن يصلح بين الناس يتحمل الحمالات العظيمة أناس تجردوا من كل الحظوظ البشرية لتسمو أرواحهم ونفوسهم لبذل المال رخيصا في فك رقبة مستحق القصاص ومن عفا واصلح فأجره على الله واصلاح ذات البين من الحقوق الشرعية والاجتماعية على المجتمع. فهي منزلة عظيمة وقد اشتهر في سالف الأزمان والآن أناس اشتهروا بالاصلاح بين الناس من الرجال الحكماء العقلاء الكتومين ومن النساء مثلهم فالرفعة والسمو أن يشتهر المرء مصلحا بين الناس والدنية كل الدنية ان يشار لفلان من الناس انه مشعل الفتن النمام ناقل الرزية والسوء. بين الناس وينبغي على الناصح ان يكون عاقلا مخلصا من قلبه النصح لا ان يكون معيرا شامتا ذاما. ومن جرب ان يكون وسيطا للاصلاح بين الناس يجد لذة في قلبه وشغفا للمزيد من الخير بين الناس وقد تحدثت مع الكثير من هؤلاء ومنهم بعض القضاة وبعض المسؤولين ممن كانوا وسطاء خير بين الناس فكانوا يصفون الأمر بشعور لا يوصف من الراحة والطمأنينة لا يحس بها إلا من يجربها. ولقد اشتهر عن بعضهم ومنهم من غيبه الثرى الإصلاح بين المتخاصمين من الأزواج وعادت بيوتهم سمنا على عسل كما يقولون بسبب هؤلاء وما علم عنهم احد حتى الآن وبعضهم تحدث بها لخاص من الناس قصده بيان فضل ذاك الذي ذهب ولم يخلفه مثله. ان التورية والكذب المباح للاصلاح بين الناس وللاصلاح بين الرجل وزوجته لا مانع منه والحكيم من يتحرى الاصلاح بين الناس فهي رسالة لكل من يختلط بالمجتمع لننطلق في اصلاح ذات البين. فقد شكا القضاة من كثرة الشكاوى حتى بين أبناء الأم والأب بسبب العناد وبسبب الطمع في المال والذي يصرف مثله اضعافا مضاعفة من أجل أمر لا قيمة له وتئن بعض الجهات الحكومية من كثرة الشكاوى الكيدية التي تفسد وتضيع الكثير من الوقت والمال فولي أمر يشكو على مدرسة او مدير او معلم ومدير يتخاصم مع معلم ومعلم يتشاكى مع مديره ومدير دائرة مع موظف وموظف مع زميله وهكذا اختلط الأمر حتى أصبح الفرد من شدة ما يجد ان يرى الشخص خارجا ولاجا للمحاكم في كل قضية له طرف اما شاهد او شاك او مشتكى عليه. فلنحقق الطمأنينة في المجتمع ولنغلق آذاننا عن النمامين ناقلي الكلام على جهة الإفساد فان النميمة تحلق الدين كما يحلق الموسي الشعر كما في الحديث الشريف. وما خير النبي صلاة ربي وسلامه عليه بين أمرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن اثما فان خيرت بين الشكاية والعفو فاختر العفو فانه خير لك وللمجتمع ومدعاة لعفو الله عنك يوم القيامة. ولقد اختصم بعض الفضلاء فقال احدهم والله لا أقول حسبي الله عليه خشية ان يصيبه شيء ولكني اعفو واصفح وآخر يقول عن رئيس له اختصم معه أسأل الله انه يذهب فلان يعني رئيسه من مكانه من دون ضرر على نفسه وأهله وماله ولكن ان ارتاح من ظلمه لي ولم يكن يرضى بالدعاء عليه او الكيد له فهذه الأخلاق ينبغي ان تشاع في مجتمعنا لتطمئن النفوس ولنعرض عن الشحن والسباب والشتائم والدعاء بالهلاك على الناس والنفس ومن نحب او من نكره فكما في الحديث الشريف (أحبب حبيبك هونا ما فعسى ان يكون بغيضك يوما ما, وابغض بغيضك يوما ما فعسى ان يكون حبيبك يوما ما). وأعظم اصلاح ان تصلح ما بين الخلق والخالق فتحبب الناس لله وفي ثوابه وترغبهم لطاعته فليسبق تخويف الناس فترة تحبيبهم اليه فترات ومن الاصلاح اصلاح ما بين الراعي والرعية بين ولاة الأمر وبين الناس وتحبيبهم فيهم وطاعتهم كما تقتضي الشريعة المحكمة ويقتضيه العقل الصحيح والمنطق المستقيم والعرف فهذا مما يصلح الدنيا والدين وينبغي الاعراض عن المخذلين والمحرضين وتحذير الناس منهم. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل. طارق بن عبدالله بن محمد الفياض