الإصلاح بين الناس من أعمال البر والخير العظيمة؛ التي دعا إليها الإسلام وحث عليها، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) فالصلح كله خير، لكونه يدعوا للعدل والإنصاف والتسامح والعفو، وكثيرًا ما نرى في أروقة المحاكم والشرط بعضًا من الناس المتخاصمين والمتنازعين على لُعَاعَةٍ من الدنيا؛ فلو وجدوا من الناصحين من يأخذ بأيديهم ويوجههم ويصلح بينهم، ويدعوهم للتسامح والصلح؛ لتلاشت تلك الخصومات، وبقيت أواصر الألفة والمحبة بين الناس، فالسعي في ذلك من أفضل القربات، وسبب من أسباب النجاة من الهلاك قال عزوجل: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) إذ لا يكفي أن يكون المسلم صالحًا في ذاته؛ بل لابد من أن يكون صلاحه متعديًا بالإصلاح ليتجنب الهلاك والعذاب، وقد بينت السنة النبوية فضل السعي في الإصلاح بين الناس، فثبت من أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين)، وفي حديث آخر (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) فيا له من فضل جسيم، وأجر عظيم، حث عليه المولى تبارك وتعالى بقوله: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم). فإصلاح ذات البين عبادة عظيمة وجليلة؛ ينبغي أن ينبري لها أهل العلم والفضل، الساعين في الخير، والراجين من الله المثوبة والأجر، لعظم فضلها وأجرها، ولما يترتب عليها من المنافع للبلاد والعباد؛ من المحافظة على الأمن وحقن الدماء، والستر على المسلمين، وحفظ الأسر من التفرق والتشتت والضياع، وعلى المصلح بين الناس؛ أن يتحلى بالإخلاص والصبر والحلم والأناة، وأن يتعامل معهم بالرفق واللين، وأن يدرك نفسياتهم، ويحفظ أسرارهم، ويجوز له أن يكذب لدفع الخصومة بينهم؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول وينمي خيرًا) وينبغي للمصلح كذلك أن يهتم برفع إيمان الناس، وتقوية عقيدتهم، وتنمية أخلاقهم، وأن لا يفقد الأمل في الصلح، وأن لا يجد اليأس لقلبه سبيلاً: اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه لا تيأسن فإن الفارج الله وأدعو كل من يجد في نفسه القدرة والأهلية على الإصلاح بين الناس؛ أن لا يتوانى في ذلك ويحرص عليه، فكم نحتاج في هذه الأيام لنشر ثقافة التسامح والعفو، والصفح الجميل؛ للحرص على وحدة المسلمين وأمنهم، وعدم تفرقهم وتنازعهم، وبناء مجتمع مترابط ومتماسك بحبل الله المتين، يحمل راية الإصلاح بين أفراده، للنهوض بأمته متمثلاً قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا). إلزم يديك بحبل الله معتصمًا فإنه الركن إن خانتك أركان عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية