تفوح رائحة فضائح الفساد المالي في العراق من اختلاسات وتهريب وتزوير وصفقات مشبوهة في وقت يعاني فيه الاقتصاد العراقي من ثقل الحرب وسنوات الحصار الثلاث عشرة التي مرت عليه. وتتنافس الصحف المحلية العراقية في نشر قضايا الفساد المالي والاختلاسات فيما لم تشهد انخفاضا ملحوظا او حلولا عاجلة لوقف نزيف الانهيار والتداعي الذي بدأ ينهش الاقتصاد المتآكل والمترنح اصلا. اختلاس آخر اخبار الفساد المالي ما تتداوله الاوساط العراقية عن عملية الكشف في الهيئة العامة للضرائب العراقية عن تورط عدد من مسؤولين كبار في الهيئة ووزارة المالية باختلاس مبلغ (150) مليون دينار عراقي، حيث تشير اوساط مطلعة الى ان الاختلاس جاء عن طريق التلاعب بعقد مناقصة لتزويد الهيئة باثاث واجهزة طباعة واستنساخ مشيرة الى ان الدائرة القانونية في وزارة المالية تجرى حاليا تحقيقات مكثفة حول القضية. وقبل هذه القضية بايام نشرت صحف عراقية اخبارا عن تحقيق يجري حاليا في وزارة التجارة العراقية لكشف ملابسات عملية اختلاس مبلغ 40 مليون دولار يعتقد ان مسؤولين كبارا بالوزارة متورطين فيها. واكد وزير التجارة الدكتور علي عبد الامير علاوي ان الشبهات تحوم ومنذ ما يقارب الشهرين حول مجموعة من الاشخاص الذين يشغلون مناصب حساسة في الوزارة في انهم متورطون بقضية فساد واختلاس 40 مليون دولار من عقد شراء ابواب خشبية لصالح الوزارة بقيمة 80 مليون دولار. وقال علاوي انه يعتقد ان ثلث مبلغ العقد قد اختلس نتيجة لتلاعب مسؤولين لم يحددهم بالاسماء. واتهم الوزير اعضاء القوات الامريكية بأنهم مشتركون ايضا في عملية الاختلاس مشيرا الى وجود ادلة قاطعة على تورط هؤلاء. ولكن الوزير سرعان ما تراجع عن اتهاماته حول تورط امريكيين بالاختلاس ملقيا الكرة في ساحة الاممالمتحدة التي قال انها اصرت على تنفيذ العقد المذكور مؤكدا ان أشخاصا من المنظمة الدولية معرضون على الارجح للملاحقة القضائية بحسب قوله. ويأتي تراجع علاوي عن تصريحاته في اعقاب النفي الامريكي الذي شدد على ان لا علاقة بافراد من القوات الامريكية بعملية الاختلاس. تهريب وفيما يتصل بتهريب العملة العراقية الجديدة فان قضية تهريب اكثر من 19 مليار دينار عراقي من العملة الجديدة الى بيروت مازالت تلقي بظلالها على الساحة الاقتصادية العراقية دون ان يتم الكشف عن ملابسات هذا الموضوع الذي جاء بعد حملة لتهريب الدينار العراقي الى الخارج، حيث قالت مصادر من الشرطة العراقية انها القت القبض على مجموعات مهربين تقوم بتهريب مبالغ عراقية من العملة الجديدة الى الكويت. وقال ضابط كبير في شرطة جمارك المنطقة الجنوبية في البصرة والعاملة على المعبر الحدودي بين العراقوالكويت في منطقة (سفوان) انه تم القاء القبض على ثلاث عصابات لتهريب العملة العراقية الجديدة الى الخارج. وذكر العقيد طارق احمد مدير جمارك سفوان ان دائرته تلقت معلومات بان هناك عملية تهريب للعملة العراقية عن طريق شاحنة نقل كبيرة تحمل رقما كويتيا وبعد التدقيق والتحري تمكن رجال الشرطة من القاء القبض على الشاحنة وسائقها الكويتي الجنسية وبحوزته اكثر من 6 ملايين دينار عراقي من الطبعة الجديدة فئة 25 الف دينار عراقي ومبالغ اخرى من الدولارات وعملات عربية اخرى. واوضح مدير جمرك سفوان انه جرى القبض ايضا على مواطن اردني يحمل بطاقة عمل كويتية وبحوزته 25 مليون دينار عراقي فئة 25 الف دينار عراقي من الطبعة الجديدة يستعد لتهريبها للكويت. واضاف كما تمكنت مفارزنا من القاء القبض على ايراني يقود سيارة نوع (داينا) تحمل رقما كويتيا محملة بأكثر من 20 مليون دينار عراقي جديد حاول اخفاءها داخل العجلة بطريقة غريبة حين قام بلحام بدن السيارة بعد وضع النقود داخلها. وقال مدير الجمارك ان مفارزه استطاعت احباط محاولة تهريب أخرى الاسبوع الماضي حيث القت القبض على كويتيين حاولا تهريب 175 مليون دينار عراقي داخل سيارة نوع (لاندكروز) حيث بينت التحقيقات الاولية ان هناك مكاتب صيرفة في دولة الكويت تمنح ارباحا كبيرة لمن يستطيع تهريب العملة العراقية الجديدة. وامام هذا الوضع ذكر عدد من اصحاب شركات الصيرفة في العراق ان الاسواق العراقية بدأت تفرغ من الورقة النقدية فئة 25 الف دينار الجديدة بسبب اقبال شركات الصيرفة في دول عربية مجاورة على شرائها بكثرة مقابل الدولار. واشاروا الى ان الطلب المتزايد على الفئة المذكورة اسهم في شحها لاسيما مع تردد انباء تفيد بتعرضها الى التهريب بسبب ازدياد الطلب عليها في دول مجاورة.. فساد إداري الفساد المالي الخطير الذي استشرى في جسد الاقتصاد العراقي في الدولة الجديدة بعد اسقاط نظام صدام تحاول سلطة الاحتلال الامريكي ايقافه لكن دون جدوى بل وحتى دون قناعة من العراقيين بامكانية ايقافه، ففيما اعلن ممثل الاحتلال الامريكي الحاكم المدني الاعلى في العراق بول بريمر انشاء مفتشية لمحاربة الفساد، خصصت وزارة الداخلية العراقية دائرة خاصة لمحاربة الفساد الاداري في صفوف منتسبيها خاصة من جهاز الشرطة، وكان رئيس مجلس الحكم الانتقالي العراقي للدورة الماضية عبد العزيز الحكيم قد دعا الى تشكيل لجنة من عدد من اعضاء مجلس الحكم لمحاربة الفساد الاداري والمالي في المؤسسات العراقية. وتشير اخر الاحصائيات التي صدرت عن وحدة شؤون التحقيق في الداخلية العراقية والتي تم تشكيلها مؤخرا ان اكثر من 200 شرطي عراقي تم فصلهم من الخدمة بسبب الفساد الاداري والمالي وتلقي رشاوى من مواطنين عراقيين ومشاركة في عمليات سرقة وخطف مع عصابات محترفة، كما تم تغريم مئات من رجال الشرطة الآخرين ومعاقبتهم بتخفيض رواتبهم بسبب تلقيهم رشاوى. وفيما تحاول الجهات العراقية المسؤولة وقوات الاحتلال الامريكي بذل جهودها لايقاف عمليات النصب والاحتيال في بعض المؤسسات وتلقي الرشاوى، يميل كثير من رجال الشرطة العراقية الى القول ان سبب تقاضي بعض الشرطة الرشاوى من المواطنين هو عدم قيام قوات الاحتلال الامريكي في العراق بدفع رواتب الشرطة لعدة اشهر مما يجعلهم مضطرين الى كسب المال باية طريقة كانت لادامة حياة عائلاتهم. وتواجه مؤسسات الدولة العراقية الحالية وبشكل يومي تأثيرات الفساد المالي الذي تنوع بشكل خطير ومنه مسلسل اكتشاف اسماء وهمية كثيرة لموظفين وعاملين في هذه المؤسسات لم يكن لهم وجود اصلا. وكشفت وحدة التحقيقات في وزارة الداخلية العراقية انه تم اكتشاف اكثر من 2500 شخص من الاسماء الوهمية يعملون في حماية المؤسسات الرسمية ويتقاضون رواتب دون ان يكون لهم وجود فعلي او ممن لم يلتحقوا بمهامهم مطلقا. وكانت وزارات عراقية اخرى مثل وزارة الموارد المائية في العراق قد اكتشفت قبل اشهر عددا من العاملين الوهميين في مؤسساتها خاصة من الذين يشاركون بحملات تنظيف وكري الانهر في وسط العراق، ويشير عراقيون الى ان مثل هذه التعيينات الوهمية توجد في وزارات ومؤسسات اخرى تم اتخاذ اجراءات بشأنها دون ان يعلن عنها.