تردد الإدارة الأمريكية تأييدها فكرة الدولة الفلسطينية بالرغم من أن الواقع على الأرض الفلسطينية يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل تطبيق هذه الفكرة. فالمستعمرات متناثرة في الوسط الفلسطيني، والمزيد منها يقام كل يوم، والحكومة الإسرائيلية تقف عاجزة عن إخلاء هذه المستعمرات إلا بمخاطرة الدخول في حرب أهلية، فالمستعمرون متشبثون بشراسة بحياة الرغد والرخاء التي توفرها الإقامة في هذه المستعمرات. هذا الإصرار على ترديد فكرة الدولة الفلسطينية مع تعذر تطبيقها هو ربما كسب للوقت إما انتظارا لمعجزة أو لإعطاء المزيد من الفرص لتصفية الوجود الفلسطيني الذي يبدو أن حكومة شارون، بدعم من واشنطن وسكوت من أوروبا، تقوم به بحماس. فالقتل للفلسطينيين مستمر بوحشية منقطعة النظير والإذلال اليومي من أجل "تطفيشهم" من البقاء في أرضهم متواصل كل ساعة وجرف الأراضي الزراعية ومصادرتها متتابع كل وقت وهدم المساكن والمباني وتخريب البنى التحتية يتوالى بإصرار بالغ. فكل المؤشرات إذن تدل على أن ترديد فكرة الدولة الفلسطينية هو نوع من الإلهاء عما يحدث في الواقع وتحويل الانتباه عن البديل الأفضل. على ضوء تعذر تطبيق فكرة الدولة الفلسطينية فإنه أضحى لا مندوحة من الرجوع إلى فكرة قديمة كانت منظمة التحرير الفلسطينية تنادي بها منذ ثلاثة عقود وهي فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، التي بموجبها يعيش الفلسطينيون واليهود في دولة واحدة في ظل نظام ديمقراطي يكفل المساواة والعدل لكل مواطن فيها. لقد بدأت أعداد متزايدة من الفلسطينيين، بل ومن الإسرائيليين، تنادي بها مقتنعة بمعقوليتها وحتميتها. إن الواقع على الأرض يجعل هذه الفكرة هي الخيار العادل الوحيد المتبقي للطرفين، فسياسة تصفية الفلسطينيين لن تنجح ألبتة على ضوء تشبثهم بأرضهم ومستقبلهم والفصل الجغرافي أضحى غير ممكن. يوجد بالطبع معارضة واسعة للفكرة لدى الصهاينة من اليهود وغيرهم لأنهم يريدون دولة لا يعيش فيها إلا اليهود تحقيقا للحلم الصهيوني أو امتثالا لقناعة دينية مختلة. ولكن بكثير من الحنكة يمكن إقناع الأغلبية بمزايا هذا الخيار وتبصيرهم بحتميته. فيهودية إسرائيل لا تعني البتة الاستئثار العنصري بالأرض والسلطة، فالعالم لم يعد يقبل هذا، وما حصل في جنوب أفريقيا خير دليل. يجب أن لا يصرفنا الضجيج حول هذه الفكرة عن الإصرار عليها فلم يعد هناك خيار عملي غيرها.