@@ يتصور البعض ان جهلا ام حمقا انهم قد بلغوا من خلال معطيات الحاضر فقط منزلة لا يمكن لاحد ان يصلها الى ان يأتيه ذلك اليوم الذي يعيده الى صوابه ويعيد اليه الاتزان المفقود. @@ ان (الماضي) ايا كان، وبكل مافيه، وما يحويه من قصص نجاحات او احباطات يشكل بلا شك جزءا مهما جدا من قصة حياة الانسان، وبالتالي فأي محاولة للقفز على ذلك التاريخ هي محاولة مكتوب عليها بالفشل مهما بلغت معطيات الحاضر. @@ يروى ان الروائي الفرنسي الشهير (اندريه دي بلزاك) كان يزعم بأنه يمتلك قدرة عجيبة لا يمكن لها ان تخطئ في التنبؤ بمستقبل الآخرين من خلال دراسة خطوطهم. اما كيف تولد لديه هذا الشعور فاحسب انه من خلال بضع تجارب ليس الا. @@ عموما لقد صدق (اندريه دي بلزاك) وجاراه آخرون في ذلك الاعتقاد الى ان جاء ذلك اليوم الذي عرى (بلزاك) من اوهامه، واعاده ثانية الى ارض الواقع حتى وان كان ذلك من خلال ما اسميه (الصفعة). @@ ففي احد الايام وبينما كان ذلك الروائي جالسا خارج منزله يحتسي فنجان قهوة المساء وقد انتفخ كعادته (كالطاووس) اقتربت منه امرأة مسنة مادة اليه يديها (بوريقة) تحوي بضعة سطور طالبة منه (التكرم) بالتنبؤ بمستقبل كاتبها. @@ القى بلزاك على تلك الاسطر نظرة متأنية قبل ان يسأل المرأة عن عمر كاتبها، فلما اجابته بأنها لصبي في العاشرة من عمره قذف بالورقة بعيدا وهو يقول بتبرم وغطرسة (ان كاتبها سيبقى حمارا طوال حياته). @@ حدقت المرأة طويلا في وجه بلزاك وقد ارتسمت على محياها كل معاني الشفقة والشماتة قبل ان تصفعه بكلماتها قائلة: ان هذه السطور ياسيدي هي لشخص لا يمكن لأحد آخر ان يعرفه قدر معرفتك له بادرها بلزاك بتبرم بعد ان ارتسمت على محياه علامة استفهام كبيرة قائلا: ومن يكون هذا الشخص قالت: انها لك ياسيدي.. مستطردة: فأنت كاتبها عندما كنت صبيا في العاشرة من عمرك. احتبست الكلمات في فم ذلك الروائي الشهير بعد ان اكتسى محياه بحمرة خجل واضحة، واعاد القاء نظرة فاحصة على تلك الورقة قبل ان يقذف بها بعيدا في صمت وسكوت فلقد كانت كلمات تلك السيدة بلا شك بمثابة الصفعة لغرور وغطرسة ذلك الكاتب اعادته الى ارض الواقع. ويبقى السؤال الاهم هنا هو: ترى هل يحق لنا القول بأن اقوال وسلوكيات (بلزاك) تمثل نمطا شاذا من انماط السلوك والتصرفات البشرية ام تراه القاعدة وما عداه شاذ. هنا دعني استميحك عزيزي القارئ عذرا في عدم القفز على حواجز الواقع بحثا عن اجابة شافية لهذا السؤال المعضلة، لاسيما وانه سؤال يحوي بين ثناياه ما احسبه (واقعا) يعيشه الكثيرون من بني البشر وبالذات اولئك الذين يملكون قدرة (خرافية) على (تناسي) ماضيهم القريب منهم او البعيد بكل مافيه من عقد واحباطات معتقدين ان الآخرين قد بلغ بهم الغباء حدا لا يجعلهم قادرين على تذكر ذلك الماضي (التعيس). وخلاصة القول ان امثال (بلزاك) في مجتمعنا شئنا ام ابينا هم بلا شك كثيرون كثر كم الاحباطات والعقد التي ما تنفك تعبث بنفوس البعض مصورة لهم ان العالم قد اصبح وقفا عليهم وانه لايتحرك الا من خلال اشارة منهم. @@ انني لا اتحدث هنا عن ذلك النمط الذي استطاع بكده وكفاحه وعرقه وجهده ان يستفيد من اخطاء ماضيه ويحولها الى اضاءات في طريق مستقبله محاولا بكل جرأة وشفافية ان ينقل تجربته في الحياة للآخرين بكل صدق وتجرد وموضوعية بدءا من تجربة الماضي بكل قساوتها، وانتهاء بقصة انجاز الحاضر الذي حق له ان يفخر به. وعودة الى بدء اقول: حقا لقد (كذب المنجمون ولو صدقوا).. وشفى الله كل من اصابته عدوى (عقد الماضي) دمتم.. وعلى الحب نلتقي .