عزيزي رئيس التحرير زرت ذات يوم استاذا عزيزا ورجلا نهلت من علمه وأخلاقه وطباعة الكثير، كانت زيارتي له لرد جزء من جميله علي، وخاصة بعد أن غادر مقاعد التدريس لكونه احيل الى التقاعد. فقدنا طلته البهية ، وابتسامته الهادئة الندية، وبدأت الذاكرة تنسى كثيرا من حكاياته وقصصه واحاديثه، دلفت الى بيته جلسنا نتبادل الاحاديث والحوارات والحوادث التي حصلت ايام الدراسة وغيرها من الامور المعتادة، حتى فوجئت بدخول رجل كبير في السن قد غطى البياض شعر رأسه ولحيته انتشرت التجاعيد في سائر وجهه، ما ان دخل ذلك الرجل حتى قام استاذي اليه بسرعة كبيرة متناهية فقبل يده ورأسه ثم امسك يده وأجلسه بقربنا، الامر الذي لم يحتج الى ادنى تفكير فقد كان ذلك الرجل المشيب والد استاذي، وطوال تلك الجلسة لم اشاهد استاذي رفع صوته لا بكلام ولا ضحك خاصة بعد دخول والده علينا، وبدأ هادئا ساكنا قليلا ما يتكلم، وانا الذي اعتدت على كثرة كلامه وحديثه، بدأ امام والده وكأنه صبي صغير على الرغم من عمره الذي تجاوز الخمسين، في الحقيقة عجبت من هذا السلوك، وشعرت بالحيرة لذلك الهدوء الذي انصب على استاذي فجأة، في الحقيقة تمثلت الغرابة في نفسي لما اشاهده من تصرفات كثير من الشباب مع ذويهم وأهليهم، فذاك فتى مهمته الوحيدة في هذا الحياة عصيان والديه، وآخر يرى من العيب والشنار ان يخبر والديه عن احواله وعن ذهابه ومسيره، والقائمة من اولئك الصنف كثيرة ولا يمكن حصرها ، ذلك رجل قد جاوز عمره الخمسين ورب أسرة ومسؤول عن بيت بأكمله ووالد وجد لاحفاده، ورغم ذلك كله فقد شاهدت تصرفه عندما دخل والده، وكيف خضع له في القول والفعل، وكيف ابدى له كامل الاحترام والتقدير، في حين نرى شبابا صغارا و فتيانا في مقتبل العمر غمار قد ارتفعت اصواتهم وارعدت اقوالهم في وجوه أبائهم، لم يبذلوا ادنى غاية في التقدير والاحترام، قد اصابت اسماع والديه الصمم بسبب ارتفاع صوته ونكران كلامه، لكم ان تتصوروا ايها الاحباب الفارق الكبير بين الموقفين وبين الحادثتين، لم يشعر استاذي الكريم بالحرج ولم تشرخ كرامته لانه اكرم والده امامي، بل العكس تماما، قد ارتفع قدره وعظم شأنه، لا ادري ما هو الضرر الذي سيصيب ذلك الفتى الرافض للخضوع في طاعة والديه ، ما الاضرار التي ستلحق به؟؟, وما المناقص التي سوف تصيبه من جراء طاعته وبذل كامل الاحترام لوالديه، لن يصيبه اذى ولن يلحقه ضرر أبدا، بل انه سينال رضا ربه اولا واخيرا، ورضا والديه، ورضا الناس والمحيطين به، في النهاية سيرى ان الراحة قد غطت سائر قلبه وفكره، وان راحة البال قد تملكت جميع جوارحه واشجانه وعواطفه، وبذلك يكسب محبة الجميع ويرى المردود الايجابي الكبير من خلال تلك الاعمال النقية الصافية، ولكم ان تقارنوا بين قصة استاذي وبين قصة زميل قد دعانا الى زيارته في منزله، فأجبنا تلك الدعوة، وجلسنا نتحدث ونتبادل القصص والطرائف، حتى دخل علينا والد زميلي فقمنا له وسلمنا عليه، فرحب بنا وهلل وقد استقبلنا بابتسامة بشوشة قد اسكنت الراحة الى قلبي، طبعا ذلك الزميل العزيز لم يكلف نفسه حتى بالقيام للسلام على والده، دعوناه للجلوس معنا فجلس بعد اصرار، فطفقنا نتبادل الاحاديث معه، وفوجئنا بقيام الوالد ليقدم لنا الشاي وقد شاهدت ولده جالسا يتكلم ولم يعط للأمر ادنى اهتمام، حتى قام احد الزملاء فأخذ الشاي من يده وقدمه لنا، وعندما تحدثنا معه في بعض الامور ظل ذلك الابن العزيز يناقش والده ويعارضه بشكل غريب، يحوي سائر فحواه على قلة الاحترام والادب مع والده، بعد مغادرتنا لمنزل زميلنا ، شاهدت ان جميع الزملاء قد لا حظوا تلك التصرفات العجيبة، وعندما سألناه عن ذلك اجاب وبكل وقاحة : هذه عادتي معه ، قالها بكل بساطة وللأسف لم يفكر انه في يوم من الايام قد يأتيه من يخاطبه بنفس هذا المنطق. @@ احمد بن خالد العبدالقادر