ليس هناك الآن أفضل من نابليون قادرا على إدراك طبيعة المعارك في العراق .. إن حدوث هجمات وتفجيرات ضد الشرطة العراقية والقوات الأمريكية توضح ان الكوارث التي تتعرض لها قوات التحالف منذ اكثر من 6 اشهر لاتزال مستمرة على الرغم من وقوع صدام حسين في الأسر. إن كلمة " حرب العصابات " جاءت من صراع المتمردين الأسبان ضد فرنسا في أوائل القرن الثامن عشر تلك الحملة التي اندلعت بلا قيادة ولا توجيه واستهدفت 3 لواءات من جيش نابليون . بالطبع ليست الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في العراق هم جنود نابليون ولكن إن تحركات حرب العصابات التي تعصف بالأمة في العراق ، وكذلك الوقوع المذهل لصدام حسين القائد الرمزي للمقاومة العراقية لا تعني ان المواقف السيئة كلها قد انتهت في العراق . وسيبدو الأمر نوعا من السذاجة اذا اعتقدنا أن صدام حسين وهو قابع هناك في حفرته تحت الأرض كان يدير المعركة ويقود المقاومة . إن ما يتضح من الأحداث والتقارير الإخبارية كل يوم من تزايد عدد الإصابات والتفجيرات المميتة أن هؤلاء المتمردين الذين يصل عددهم لبضعة آلاف قليلة قادرون على التمادي في مواجهة غير متكافئة مع 150 ألف من قوات التحالف و100 ألف من أفراد الأمن العراقيين وفي إمكانهم الاستمرار في ذلك . وسيكون سوء تقدير خطير أن نعتقد ان المقاومة العراقية هي مجرد جماعة فوضوية تمضي في شوارع بغداد تحت امرة صدام حسين . إن المنطق يقول ان الجماعات المتمردة هذه إنما تعمل بانفصال تام وبعيد عن صدام حسين بل وقد تزداد تنظيما وتماسكا مع الوقت . ويعزز ذلك تصريحات الحاكم العسكري للعراق بول بريمر بأنه من المتوقع أن تزداد الهجمات ضد قوات التحالف في الشهور القادمة وان النشاط الزائد المتزامن مع أخبار سقوط صدام حسين في الأسر يجعلنا نطرح تساؤلا ملحا حول ما الذي يحكيه لنا التاريخ حول إمكانية حرب العصابات هذه من الصمود والنجاح في الحرب حتى الوصول لنهايات مؤلمة، وبداية .. إن حرب العصابات هذه هي الطريقة التي يحارب بها الضعيف ضد القوى وما يترتب عليه من عصيان مسلح وخراب وفوضى .. انه نموذج كلاسيكي ومدهش في تأثيره ولدى معظم الأمريكيين خبرات وفكرة مسبقة عنه خلال حرب فيتنام . لكن فيتنام ليست القالب الوحيد لأشكال التمرد وحرب العصابات وربما ترجع ما حدث فيها لسوء القيادة . إن أمريكا ليست الامة الوحيدة التي لديها ضحايا جراء الخوف في صراع مع المتمردين في حرب العصابات . بل إن عددا كبيرا من البلدان عبر العالم تورطوا في مثل ذلك على مختلف قدرة هذه البلاد .. وكان هناك المئات من الصراعات المسلحة التي أخذت هذا الشكل طوال القرن الماضي مثلا مستعمرة جنوب أفريقيا وما تجرعته الإمبراطورية البريطانية فيها طوال 4 سنوات . بدأت حرب العصابات أواخر الخمسينات وامتدت حتى الستينات في الجزائر وما خططت له المقاومة من دمار هائل ضد القوات الفرنسية هناك. كما استخدم (الخمير الحمر) نفس الوسيلة للوصول للسلطة في كمبوديا طيلة 30 عاما من الصراع المسلح . وكذلك فان القوات الفلسطينية تعتمد عليها أيضا في تكتيكها وخططها العسكرية طيلة 3 عقود من الحرب ضد إسرائيل . لقد كانت حرب العصابات ببساطة " ظاهرة "في معظم أحداث القرن الماضي ، وامتدت للوقت الراهن. وليست كل حروب المتمردين او حرب العصابات دائما ما تثمر بنجاح فهناك صراعات مسلحة كثيرة فاشلة مثل أحداث التمرد في روسيا من 1773 إلى 1774 وانتهت بأسر وقتل قائدها اميل بوجاشيف نفسه. وكذلك عام 1989 فشلت قوات (الخمير الحمر) في العودة للسلطة في كمبوديا بسبب انسحاب فيتنام من مساعدتهم ، ولسبب آخر هو تازر المجتمع الدولي كله ودعمه للحكومة الشرعية في كمبوديا . ان أفضل ما قد تفعله القوات الأمريكية الآن هو ان تسمح بمساحات من الحرية ليتولى العراقيون شئونهم السياسية المختلفة . إن النجاح في التصدي لهؤلاء المتمردين في العراق سيتحقق بالطرق السياسية والدبلوماسية وليس العسكرية . النجاح سيحدث عندما ينضم الشعب العراقي نفسه مع مساعدية الامريكيين ويتوحدون للوقوف مع حكومة جديدة منتخبة ونظام سياسي يحوز على الثقة وبمرور الوقت سيسقط هؤلاء المتمردون. نيويورك تايمز