شهدت العاصمة المغربية سلسلة ندوات كاحتفال باختتام فعاليات الرباط عاصمة ثقافية للعام 2003 ضمن احتفائية اختير لها عنوان حوار الثقافات ..هل هو ممكن؟ التي ناقشت على مدار ثلاثة أيام محاور تهم في الأساس حوار الثقافات والتحديات الراهنة، وظرفية الصراع التي باتت تميز عالم اليوم، والعمل على إيجاد القواسم المشتركة للتقريب بين مختلف الحضارات. وأكد الملك محمد السادس إلى المشاركين في هذه الاحتفائية، على أنه أصبح من المحتم علينا أن نرد للكونية مدلولها الحق, الذي يتجلى في تساوي الجميع أمام نفس القواعد القانونية, علما بأن الكونية بمفهومها الإيجابي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الإقرار بالاختلاف المتمثل في الخصوصيات الثقافية التي تقوم عليها. واعتبر محمد السادس أن الخصوصية الثقافية هي قيمة في حد ذاتها, باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية والمشروعة التي يمكن لكل الشعوب الأصيلة أن تطالب بها مذكرا بأنه بدون الاختلاف بين الشعوب والأمم لن يتحقق أي تبادل فيما بينها وأي إغناء لبعضها البعض. وقال العاهل المغربي: وإذا كان لكل ثقافة قيمها التي تتميز بها وتتفاعل معها وفق مقاربة خاصة بها، فإن الأهم هو أن تساهم هذه الثقافات بعبقريتها الخاصة في النهوض بأوضاع الإنسان في جميع الأحوال، مشددا على ضرورة اعتماد هذا المفهوم في تناول الثقافة كما تحددها مبادئ الإسلام الحنيف وتعاليمه، التي تعتبر من مقومات المرجعية الكونية للثقافة معبرا عن رفضه الخلط المفتعل من قبل أولئك الذين يأخذون الإسلام على غير حقيقته التي هي دعوة إلى السلام وإلى الوئام بين بني الإنسان، وأضاف أن التعصب ليس حكرا على دين معين، وأن الداعين إليه بكل أصنافهم، إنما يعملون جادين على تعميق الهوة بين الحضارات لأغراض انتهازية. ولذلك يحتم الواجب علينا أن نقطع الطريق أمام هؤلاء الذين يحنون إلى عهود غابرة. وفي كلمته التي دشن بها بداية الاحتفالية أكد محمد الأشعري وزير الثقافة المغربي أن الحوار بين الثقافات ممكن وضروري داعيا إلى بلورة تيار ثقافي عام للدفاع عن السلم والتضامن ولمواجهة دعاوى التطرف والإرهاب، معتبرا أنه بات من الضروري الخروج من منطق حماية الهوية الخالصة إلى منطق صياغة هويات متعددة قابلة للاغتناء كل يوم بما يوفره الإنسان من انتصارات يومية باهرة على المسافات والحدود. وأضاف أن فكرة تخصيص المغرب لفضاء حر للحوار والتبادل نابعة من تصور ثقافي لدور المغرب في محيطه باعتبار أنه كان دائما معبرا لتيارات بشرية وحضارية مختلفة وهو ما انبثقت عنه تقاليد عريقة في التعايش والتفاعل انبنت عليها مسارات ثرية لعب المغرب فيها دور صلة الوصل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وبين أطراف إفريقيا. وفي هذا السياق أشار الأشعري إلى أن المغرب ينطلق في احتضانه لتظاهرة ثقافية من هذا الحجم في عالم تسوده شكوك كبيرة حول إمكانية الحوار والتفاهم بين مختلف الحضارات البشرية من رغبته في أن يقترح على حملة الأفكار والقيم الإنسانية المشتركة حوارا يسهم في تبديد هذه الشكوك وإعادة الأمل لأجيال من الشباب فتحت أعينها على صدامات مرعبة يشكل فيها رفض الآخر صلب العداء المتبادل. وفي هذا الاتجاه أبرز وزير الثقافة المغربي أن إنجاح الحوار الثقافي يقتضي إقامة نظام لانتقال الثقافة وتداولها على نطاق واسع بعيدا عن الثقافات المهيمنة التي تقوم بتسليع الإبداع الإنساني. يشار إلى أن أشغال هذه الاحتفائية عرفت مشاركة البوسني حارث سيلاجيتش وزير الخارجية رئيس وزراء جمهورية البوسنة والهرسك السابق، بعرض تحت عنوان هل محكوم على الحضارات أن تتصادم ، و المغربي أندري أزولاي بمداخلة تحت عنوان صدمة الجهالات في مواجهة صدمة الحضارات وأمين عام منظمة اليونيسكو فيديريكو مايورالتنازع الثقافي ..حجر الزاوية في عالم آخر ممكن. كما تضمن البرنامج تنظيم زيارة للمعرضين التراثيين مثلث الاندلس وطريق الذهب. كما شارك في هذا اللقاء عدد هام من الباحثين والأكاديميين المغاربة من ضمنهم إدمون عمران المالح وسعيد بن سعيد العلوي وبن سالم حميش وعلى أومليل ومحمد مصطفى القباج والباحث والوزير الفرنسي الأسبق ميشال روكار، والتونسي هشام جعيط والمصريين نصر حامد أبو زيد ، والعراقية فريال جبوري غزول وألبيرتشت بيتز ومحمد شريف خازندار. كما تناولت المدخلات عددا من الجوانب من قبيل: هل محكوم على الحضارات أن تتصادم؟ وصدمة الجهالات في مواجهة صدمة الحضارات , قراءة مختلفة للحوار بين الثقافات .. نظرة من المغرب و التنوع الثقافي , حجر الزاوية في عالم آخر ممكن ودور الاستشراق في البحث عن تاريخ الإسلام و الخطابات العربية حول الحضارات وصراع الثقافات وحوار الجنوب مع الجنوب .. دروس الماضي. وكل هذه المداخلات أثرت الحوار واسست الى تلاحم الافكار بين مختلف المفكرين والمثقفين، مما أدى الى ان تكون الندوات على مستوى عال من الاهمية، خاصة ان اغلب المداخلين كانوا من المتخصصين في مجالاتهم.