يقولون إن الفن لا وطن له. وأنا أقول ان كرة القدم المبدعة الجميلة والساحرة وطنها الأول والأخير هو البرازيل، فهناك تتشقق الأرض لتنبت في كل يوم زهرة، وتتنفس الحقول والحواري لتلد في كل لحظة نجماً جديداً من نجوم كرة القدم. هناك أرض كما السماء في فصل الصيف، فكما أن السماء لا تضاء إلا بضوء النجوم، فإن الأرض لا تسعد إلا عندما تدمن العشق لكل ماهو سالب للعقل. بعد أن مالت شمس الأسطورة بيليه للمغيب، قالوا ان العالم استمع لآخر لحن في سمفونية السامبا، وظنوا أن بعد بيليه لن يأتي أحد يعلو كعبه، فكان زيكو، وكان سقراطيس وكان بيبيطو وكان روماريو، وكان رونالدو، وكان كاكا، وبعد كل هؤلاء سيأتي جيل آخر من المبدعين يحمل مشعل الفن الكروي الذي لا يجارى ولا يقلد، جيل أرسل ومضته الأولى بمونديال الشباب بالإمارات جيل دانييل، دودو كليبر، كارفالهو ونيلمار. سمعت الكثيرين يقولون بأثر رجعي للخيبة إن هذه البرازيل التي جاءت لمونديال الشباب، برازيل محرفة، مزيفة، نسخة مشوهة من أصل مبدع وعبقري. وكانوا إلى حد ما محقين في أن تصيبهم خيبة مركبة مما شاهدوه من البرازيل وهي تلاقي في آخر مباريات الدور الأول منتخب استراليا وفي الدور ثمن النهائي منتخب سلوفاكيا، فقد كان صغار اللاعبين ملدوغين لا يعرفون كيف يداوون لدغتهم وفي نفس الوقت الآن كيف يبيدون الجحر الذي منه لُدغوا. تقدمت عليهم استراليا بثلاثة أهداف ولم يستطع أحد هنا أن يكتم صرخة التعجب، حتى وهو يرى شباب البرازيل يقلبون مساحات الملعب أحيانا قليلة بعقل وأحايين كثيرة بشغب وفوضى. وبفضل تميز فردي لا بفضل فعالية أداء جماعي تمكن صغار البرازيل من ردم هوة التعجب وخسروا بثلاثة أهداف لهدفين لا بثلاثة أهداف بدون رد، وفاجأت البعض عندما قلت لهم ان البرازيل ستبلغ برغم كل هذا المباراة النهائية، ولن يفاجئني حتى فوزهم باللقب. وبصيغة معدلة ومختلفة بعض الشيء تأخر البرازيليون في مباراة كانوا يتسيدون كل أطوارها بهدف أمام سلوفاكيا، وفيما الكل يعد العدة لتوديعهم، غير مأسوف عليهم من الدور ثمن النهائي، إذا بالابداع الكروي يقول كلمته وتتمسك البطولة بفارسها الذهبي، إذ يتمكن نجم العقد الثاني من القرن الحالي دودو من توقيع هدفين صعدا بالبرازيل الى الدور النهائي. وكانت مباراة اليابان وبعدها مباراة الأرجنتين في الدورين ربع ونصف النهائي عرضاً مميزاً للإبداع الكروي في صيغته الفردية والجماعية كذلك إذ في النهاية لن يكون من العدل أن يهرب اللقب من أيدي شباب البرازيل فهم من قدموا حتى الآن كرة قدم متحررة حتى الآن من المفاصل التكتيكية التي تشنق الإبداع الفردي بما يحمله من عبقرية وجمالية. *جريدة الاتحاد الاماراتية افتتنت صراحة بالأداء النموذجي لدودو لاعب وسط البرازيل حتى أنني وجدت نفسي في مبارياته أمام استراليا، اليابان، والأرجنتين أحاول أن أحصي كل لمساته وحركاته قبل أهدافه، ووجدته على صغر سنه حريصا على أداء كل ما يطلبه منه مدربه من دون أن يفرط ولو بجرام واحد في نزقه الفني الجميل، إلا أن أكثر من فاجأني في مباراة الأرجنتين هو دانييل الذي كان يحمل رقم (2) دلالة على أن المركز المثبت فيه هو الظهير الأيمن، لكن للأمانة كان دانييل هذا ظهيراً وسقاءً وغربالاً ومولد طاقة الإبهار في المباراة.