يتم تقسيم مواقف الناس في إسرائيل بحسب وجهة نظرهم في عملية السلام الى قسمين: اليمين واليسار. ومن المفترض ان اليمين هو العدو الأول لعملية السلام الذي يشجع المستوطنات ويمنع الانسحاب بينما اليسار هو المؤيد الأعظم لعملية (الأرض مقابل السلام) وعلى الرغم من انه يوجد فعلا إسرائيليون يأملون بتحقيق السلام إلا ان تعميم هذا على كل اليسار الإسرائيلي أمر مغلوط بشدة. اريد ان انبه منذ الآن الى وجود عدة أشياء لا تفرق بين يميني ويساري في إسرائيل, فكلاهما يرفض الحديث عن حق العودة او عن المستوطنات في القدسالشرقية او التجمعات الاستيطانية, كما أن كليهما يكرهان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ويؤيدان مع اختلاف في درجة التأييد العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. ولكنني في هذه المقالة أريد التحدث عما تفوق به اليسار على اليمين في التنكيل بالفلسطينيين. خذ مثلا الراحل أبا إيبان الذي شجع في السنوات الماضية على تحقيق السلام مع الفلسطينيين بل والتحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل ان يصبح هذا أمرا مقبولا عند الحكومة. لقد كان ابا إيبان هو نفس الرجل الذي اثر على صياغة قرار 242 بحيث غدا من حق كل متحذلق يتظاهر في فهم القانون ان يدعى ان على إسرائيل ان تنسحب من (بعض) الأراضي المحتلة لا من (كل الأراضي المحتلة ولم يعبأ هؤلاء المتحذلقون بعبارة (عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة) المذكورة في مستهل القرار. موشى دايان القائد الإسرائيلي الأسطوري الذي احتل الضفة وغزة والجولان وسيناء في حرب الأيام الستة عام 1967 كان ايضا يعد يساريا. وقد اعترف بعدالة القضية الفلسطينية واعترف بانه لم تكن هناك اي قرية يهودية لم تقم على مكان قرية عربية وقوله ان السلام مع الفلسطينيين ممكن وانه يتذكر اياما كانوا يعيشون فيها على وفاق. هذا لم يمنع دايان من تشجيع الاستيطان والاختلاف مع شيمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي أيام مذبحة قانا ووزير الخارجية سابقا في حكومة شارون المسؤول عن تحسين صورة الحكومة و يساري آخر في اقتراح الأول لحل مشكلة اللاجئين في المخيمات في الأراضي المحتلة (دعنا نذهب اليهم ونقل لهم ألا حل لدينا وأنكم ستظلون تعيشون كالكلاب ومن شاء منكم ان يذهب فليفعل ونرى أين ستأخذنا هذه العملية.. من الممكن بعد خمس سنوات انه يرحل 200.000 ولهذا أهميته الكبيرة. هناك أيضا رئيس الوزراء السابق اسحق رابين الذي ما فتىء الرئيس ياسر عرفات بدعوته (شريكي في سلام الشجعان) رابين نفسه المسؤول عن طرد الفلسطينيين من اللد والرملة أبان حرب 1948. ورابين الذي منع تفكيك مستوطنة كريات اربع بعد مذبحة الخليل. وهو رابين نفسه الذي تحدث في رؤيته المستقبلية عن الابقاء على المستوطنات وبقاء القدس عاصمة أبدية غير مقسمة لإسرائيل في خطابه الأخير في الكنيست قبل اغتياله على يد متطرف إسرائيلي. وليس هناك مثال أسوأ من إيهود باراك الذي نشر اسطورة (العرض السخي) الذي تقدمت به إسرائيل للفلسطينيين إلا انهم رفضوه بكل وقاحة مفضلين طريق الإرهاب والعنف لنيل مطالبهم. ويكفي لرؤية محبته الشديدة لنا قوله عن الفلسطينيين انهم نتاج ثقافة حيث الكذبة لا تسبب أي مشكلة. إنهم لا يعانون من مشكلة قول الكذب الموجودة في الثقافة اليهودية المسيحية. هناك فقط ما يخدم مصالحك ولا يخدمه. انهم يرون أنفسهم أعضاء في حركة وطنية حيث كفل شيء مسموح لا يوجد عندهم شيء اسمه (الحقيقة). قارن هذا برأي آرييل شارون الذي لا يجرؤ فلسطيني واحد على تلقيبه باليساري حينما كان السادات يقول لي ان الأرض شيء مقدس عند العرب كنت أشعر بالحسد.. وفي بعض الأحيان أحسد الفلسطينيين على طريقة أخذهم موقفا دون تردد.. دعني أقل لك شيئا: منذ سنوات كنت أرى مجموعة من العمال الفلسطينيين يجلسون في دائرة وكل قد احضر غذاءه معه من المنزل ووضعه في منتصف الدائرة وعندها يقوم كل واحد بالاعتدال لأخذ الطعام من هنا وهناك ويجلسون معا. اما نحن فكل يجلس وحده ويأكل وحده. واذا ما قارنا بين نتنياهو وباراك لوجدنا ان الأول أقام مستوطنات أقل وسلم المزيد من الأراضي الى الفلسطينيين ووقع على معاهدات تلزمه بالمزيد من الانسحابات, اما الثاني فأقام المستوطنات بشكل أسرع من نتنياهو ولم يسلم أية أراض الى الفلسطينيين من التي وافق عليها سلفه (اليميني) وأصر على ان يكتب ان المحادثات ستؤدي الى قيام (كيانين منفصلين) لا (دولتين منفصلتين) وان تبدأ المفاوضات من 40% من الضفة الغربية مناطق (أ) و(ب). انعدام الفارق بين اليمين واليسار ليس محصورا على الأفراد بل وعلى سياسة الاحزاب ايضا. ان المشروع الاستيطاني بدأ بالعمل لا الليكود. وجولدا مائير التي انكرت وجود الفلسطينيين أساسا كانت من العمل لا الليكود وطرد اللاجئين عام 48 واحتلال ال67 كان بقيادة العمل لا الليكود. وهذا لا يشمل حزب العمل فحسب بل والكثير من الأحزاب اليسارية الأخرى. ان من يرد أن يرى اذا كان الحزب مؤيدا للسلام فعليه ان يراجع أعمال الحزب لا أقواله وألا تضلله كلمة (يساري) عن الواقع. جامعة الملك فهد للبترول والمعادن