تصفيات كأس العالم 2026: أخضر "باهت" يعود بخسارة قاسية من اندونيسيا    الأربعاء.. 3 مباريات من "مؤجلات" دوري يلو    الموافقة على الترتيبات التنظيمية لرئاسة الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالحرمين الشريفين    انطلاق أعمال الملتقى البحري الثالث في المنطقة الشرقية بمشاركة 42 متحدثًا من 25 دولة    هوكشتاين متفائل من بيروت: هناك فرصة جدية لوقف النار    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي إلى 43972 شهيدًا    أمير القصيم يستقبل سفير أوكرانيا    الجامعة العربية تعقد مؤتمرًا دوليًا بالأردن حول دور المجتمع الدولي في تعزيز حقوق الطفل الفلسطيني    جامعة الأميرة نورة تطلق ملتقى "ريادة ملهمة"    محمد بن عبدالعزيز يطلع على جهود تعليم جازان لانطلاقة الفصل الدراسي الثاني    محافظ الخرج يكرم مركز التأهيل الشامل للإناث    أرامكو ورونغشنغ توقعان اتفاقية لتوسعة مصفاة ساسرف    مجمع الملك فهد يطلق "خط الجليل" للمصاحف    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود مجلس الجمعيات الأهلية    الهويّة السعوديّة: ماضي ومستقبل    جامعة الملك سعود تحتفي باليوم العالمي للطلبة الدوليين    في اليوم ال1000 لحرب أوكرانيا.. روسيا إلى عقيدة نووية جديدة    تقرير كي بي إم جي: بناء الحوكمة من أجل مستقبل صناعي مستدام في السعودية وخارجها    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي المتنازل عن قاتل أخيه    جودة التدريس ومخرجات التعليم    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الأمريكي    انعقاد أولى الجلسات الحوارية في المؤتمر الوطني للجودة    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    لبنان نحو السلام    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    مرحلة الردع المتصاعد    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفر ومسائل أخرى ذات صلة
نشر في اليوم يوم 05 - 10 - 2003

اعتاد أحد الأصدقاء أن لا يسافر إلى بلد قبل أن يجمع بعض المعلومات عن معالمه وموقعه الجغرافي وتاريخه والتشكيلة العرقية للسكان والعملة وفارق الوقت والطقس، وربما اقتنى واحدا من سلسلة كتب (كيف تتعلم اللغة الفلانية في سبعة أيام من غير معلم) إذا كان البلد أعجمي اللسان. لكن صاحبنا يبالغ أحيانا فيستعد هذا الاستعداد حتى لو كان مسافرا إلى بلد عربي مجاور.
وعلى النقيض من هذه المبالغة في الاستعداد للسفر التي تصل إلى حد الطرافة، اعتاد صديق لم يذق نكهة القلق أن يرتب حقيبة السفر قبل موعد سفره بساعة أو ساعتين حتى لو كان مسافرا إلى جزر (الواق واق). أتمنى أحيانا لو أستطيع أن أمارس الحياة بربع ذلك الهدوء، أو بنصف هدوء الصديق الذي يقول لي: (اسمع .. أنا بحاجة لأن أغفو عشر دقائق فقط !) ثم يعلو شخيره بعد أن يكمل جملته بقليل، وكأنه يدير طائر الكرى بجهاز التحكم عن بعد. لكن، وكما تفسد الفوضى متعة السياحة يفسد القلق الزائد عن حده جمالها، فهناك من لا يستطيع أن ينام الليلة السابقة للسفر، وهناك من ينام ملء جفونه فتفوته الرحلة. والأفضل أن تكون وسطا بين هذا وذاك، فتنام ملء جفونك، ولا تفوتك الرحلة.
قد تكون ممن لا يترك الأمور للمصادفة، وقد يتخذ أحد أصدقائك من استعدادك للسفر مادة للتندر فيسألك: إذا كان موعد إقلاع الطائرة الحادية عشرة، فلماذا تغادر البيت الساعة الثامنة والنصف؟ وترد قائلا: (إن التعليمات تقتضي أن أكون متواجدا في المطار قبل موعد الإقلاع بساعتين للرحلات الدولية). ويضحك من منطق التقيد بالتعليمات، فيقترح عليك مازحا أن تنام في المطار الليلة التي تسبق السفر! وربما اعتبرك (فيلسوفا) على الشكل الذي يعبر عنه ذلك الكاريكاتور الذي يصور أحدهم وهو يهدئ سرعة سيارته تمهيدا للوقوف وقد أصبح نور الإشارة بين (الأصفر والأحمر). فيصدمه الذي خلفه، وينزل المصدوم ليقول للصادم محتجا: ما بك؟ ألا ترى أن الإشارة بين (الأصفر والأحمر)؟ فيرد الصادم قائلا: "لم أكن أعرف أنك فيلسوف!!"
لا أذكر، الآن، من رسم ذلك الكاريكاتور المعبر، لكن للفلسفة حسب (المعجم الشعبي) دلالات سلبية لا علاقة لها بأرسطو أو سارتر. الفلسفة تعني هنا (الحذلقة) الزائدة عن الحد. وتعني الخروج على إيقاع الفوضى السائد، وتعني التقيد بالتعليمات، والالتزام بالأنظمة، والوقوف بانتظام في الطابور، والمحافظة على الممتلكات العامة، والاستعداد والتخطيط لكل شأن من شؤون الحياة. كل ذلك يبدو من قبيل (الحذلقة) في نظر أهل الشطارة والفهلوة. وعليك مادمت في (روما) أن تفعل مثلما يفعل الرومان، حيث الشعار المضاد لهذه (الفلسفة) المفرطة في أناقتها هو " مَشِّي حالك!". فإذا التزمت بهذا الشعار الموغل في الارتجال أصبحت إنسانا سويا، ولن يصدمك الذي يسير وراءك. وما أضاعنا حقيقة إلا هذا الشعار المتبع في كثير من جوانب الحياة، الشعار الذي يترك كثيرا من الأمور للمصادفة والارتجال.
في مطار كوالا لامبور، وفي زحمة الطوابير البشرية التي تنتظر ختم موظف الجوازات رأيت سائحا عربيا يقف مع عائلته في الطابور الذي يتحرك ببطء شديد. وأخيرا، وبعد انتظار طويل، يصل السائح إلى موظف الجوازات، لكنه يعود ليقف في نهاية الطابور مرة أخرى لأنه لم يعبئ الأوراق التي وزعت على المسافرين وهم على متن الطائرة!! فهل كان الرجل من جماعة (مشِّي حالك)؟ ربما.
هل أخذتنا التداعيات بعيدا عن موضوع السفر؟ وهل يمكننا الآن أن نسأل: لماذا السفر؟ ولماذا تشد الرحال؟ أو بتعبير يناسب لغة العصر: لماذا تحزم الحقائب؟ هل نفعل هذا لتغيير الأماكن، أم لتغيير أنفسنا وأمزجتنا؟ أعتقد أن الأماكن بأهلها، وأن الإنسان هو الذي يضيء المكان بوجوده، ولهذا يرى الشاعر عمر الخيام أن عيشته ستفوق عيشة الولاة ترفا لو أتيح له العيش مع خله في قلب الصحراء وتوفرت لهما بعض مقومات الحياة التي ذكرها في رباعيته الشهيرة: "لو كان لي من حنطة رغيفا". الإنسان هو الذي يصنع المكان، ويضفي عليه أناقة ورونقا وجدة. وقد تحقق أجمل رحلاتك بصحبة من تحب دون أن تغادر مكانك.
يقول الشاعر إليوت: (ارتحلوا.. انطلقوا أيها الرحالة فانتم لستم الأشخاص أنفسهم عند بدء الرحلة). ومع ذلك فقد يسافر بعضهم متأبطا كهوفه النفسية وعقده، ثم يعود خالي الوفاض، وإن تضاعف عدد حقائب العودة. فهو، والحال هذه، لم يغادر مكانه ولو جاب كل جهات العالم. وقد عبرت عن هذا المعنى في نص يقول: (وحزمنا حقائبنا لنسافر. ربما يختفي لهاث الصحارى وتنبت جنات عدن ونحن نسافر. وطوينا المسافات، جبنا وعود الجهات ولكننا لم نغادر. لم تزل وحشة المكان بنا تتآمر. والأماني العصيات من حولنا تتكسر. قد حللنا مكانا قصيا ولكننا بعد لم نتغير. لو عبرنا حرير المكان إلى لحظة من حرير، ثم أزلنا الرماد الذي تراكم في القلب، صار المكان القديم أزهى وأنضر!).
أعود، مرة أخرى، إلى ذلك الاستعداد السياحي الذي يمارسه صاحبنا قبل السفر فأقول إن فارق التوقيت، وموقع البلد الجغرافي، وجميع المعلومات المتعلقة بالسياحة تبدو أمورا ثانوية مقارنة بالتركيبة النفسية والروحية لرفيق الرحلة. ولهذا فإن أول سؤال طرحه (شن) على رفيق رحلته في حكاية (وافق شن طبقة) هو: "أتحملني أم أحملك؟"، وهو من أهم الأسئلة وأخطرها. فالرفيق قبل الطريق دائما. وإن أقسى فصل في مسرحية السفر هو أن يعجز أحدنا عن حمل الآخر على طريقة شن!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.