أما بالنسبة إلي فالمثقف يحتكم إلى أوسع جمهور ممكن، مكون من أنصار طبيعيين له (بدل أن يشجب بقوة) والمشكلة التي يواجهها المثقف ليست كامنه في المجتمع الجماهيري ككل (..) بقدر ما هي ناجمة عن أولئك المطلعين على بواطن الأمور والخبراء والزمر والمحترفين الذين يقولبون الرأي العام ويجعلونه ممتلئا. ورحل إدوارد سعيد الذي كتب هذا الكلام في مقدمه كتابه (صورة المثقف). رحل وهو متأهب تماما لرحيله فإشارات الموت حملها الجسر منذ أن استوطن السرطان جسده كما أستوطن اليهود وطنه... ربما لم يأبه للخطة التي اقتطعته ليس خارج المكان الأليف فقط ولكن خارج كل الأمكنة.. حيث لا يطارده هذا النسيج العنكبوتي من بؤس أمة حمل قضيتها مرتحلا من فلسطين إلى القاهرة إلى أمريكا إلى بريطانيا.. ولا بؤس المثقف المكبل بقيود المكان والزمان والمؤسسات بشتى أنواعها... هذا المثقف الذي طالبه سعيد بالاستقلال والقدرة على الحركة بلا حدود.. وكأنه يطالبه بأن يتخلى عن دوره في أن يكون خاسراً. رحل إدوارد سعيد.. تنفس البعض الصعداء وربما كتبوا مقالات ورثاء وهم يطوعون القلم الذي تعود ذلك. لن تكون هناك قضايا ولا نقاش ولا معاداة ولا خوف ولا انتقاد.. وحزن البعض لأن قيمة الفقد كبيرة.. أن تفقد مفكراً وكاتبا ومثقفا بحجم إدوارد سعيد.. أمر مؤلم.. اننا لا نكتب عن القيمة فقط ولكنا نكتب عن الرمز بكل أبعاد الرمز منذ طفولة تبحث عن هوية ومحاولة انتماء ناقصة دائما.. ومنفى يلم شتات الجسد والروح ومحاولة اختراع الذات بعيداً عن تشظيها بين أكثر من مكان وأكثر من لغة. فرادة تفلح في التغلب على هامشية المثقف المؤدلج والأكاديمي المفرط في تأويل أكاديميته فرادة تبلغ مقاصدها نحو ثقافة كونية فريدة تلتحم بالشخصي والتاريخي في آن. لا نريد هنا أن ندبج لسيرة ذاتية لإدوارد فهي اضحت الآن منهلا لكل المحافل الإعلامية ولا نكتب مرثية وإنما نشير كما قال (لسجل لعالم منسى بالأساس) ليس في (غير محله) وإنما دلالاته الفنية تكشف لنا الكثير... لقد كتب سعيد بحدس المثقف وشفافية من ينتظر نهايته (في غير محله) أو (خارج المكان) سيرته الذاتية أو لنقل كتب ذاته كما رآها.. كتب إدوارد عن مشروع تكوين (إدوارد) ومراحل هذا التكوين عن القدس إلى القاهرة إلى باقي العالم.. كبيان خطاب مهيمن يصار إليه يخبرنا بأنه ولوقت طويل لم يكن قادراً على فهم سر هذه المعاملة التي أيقن ذلك من خواص سلطة هدفها الرئيس أن تصيرك كما تريدك أن تكون.. كتب سعيد عن الشخص والسياسي وتعدد هويات.. لم يكن غافلا عن حقيقة أنه كان يعتبر (عربيا). كتب سعيد الأكاديمي والمثقف والناقد والسياسي عن سعيد الإنسان الذي قرأ معاناة تحية كاريوكا فذهب إليها في القاهرة وكتب عن معاناتها.. هل كان ذلك لشبه ما في (الضياع) هي ضياع العمر وجحود الأصدقاء والاغتراب في الوطن وهو ضياع الوطن وجحود الأصدقاء والاغتراب في الغربة.. ربما.. هل نكتب هنا عما كتبه إدوارد منذ كتابه الرائع والأقوى الاستشراق إلى آخر مقال له قبل رحيله... لقد أراد إدوارد أن يكون فلسطينيا رغم إرادته أن يكون كونيا فهل أفلح؟ نقول نعم لقد أفلح ولكم أن تقرأو أسماء وأخبار من نعوا إدوارد سعيد.. بدءا من الرئيس الفلسطيني الذي اختلف معه سعيد فترك المجلس الوطني في العام 1993م على ما ذكر.. وانتهاء بكوفي عنان الأمين العام للكونية (الأممالمتحدة). كما قلت نحن لا نكتب رثاء وإنما نكتب عن إدوارد سعيد الرمز مختصراً في كلمات نعلم أنها لا ترقى للتعبير عما نحمله ونكنه لإدوارد سعيد القلم والطيف.. ونحلم أن يكون لنا عشرات الإدوارد سعيد من أجل ان نكون!! من مؤلفات ادوارد سعيد