من بين أوراق التقويم السنوي التي نتابع بها الأيام والمواعيد وهي ترحل ورقة في خطى ورقة في سرعة وتعجل ولا نطيل عندها المكوث ولا النظر، تظل هناك ورقة واحدة تستمهلنا بالتوقف عندها ومطالعتها، لأنها تختلف عما سواها من أوراق الأيام. ورقة يوم ملتصقة بذاكرتنا وتفوح سطورها بعطر يغمر ثيابنا وثياب أولادنا والاحفاد. الورقة الشاهد اننا في هذا اليوم ضمنا كيان واحد وشملتنا خيمة الدولة الواحدة بعد قرون عديدة كانت فيها الجزيرة العربية مرتعا للتشتت والانقسام، والفرقة تضرب بأطنابها حيث الجهل سيد الساحة والمصالح الضيقة تأخذ بخناق كل قبيلة ومنطقة حتى باتت الجزيرة العربية نهبا للركود والتدهور والاضطراب، ومشاعل الفتن تفتك بها من كل ناحية، الى ان قدر الله لهذه الجزيرة من ينشلها من تلك الوهدة وشرها الوبيل. ظهر الفارس عبدالعزيز من ليل التاريخ الى صبح الوطن، يلم الشمل ويقضي على الفرقة ويوحد ما تناثر وتنافر من أجزاء جسد الجزيرة العربية، ليقوم الكيان الواحد، كيان القوة الواحدة والروح الواحدة. ولم يكن الفعل التوحيدي العظيم بين إغماضة عين وانتباهتها، بل كان مخاضا عسيرا وعملية شاقة محفوفة بتلال من المصاعب والعقبات والظروف القاسية في مكان هو أشبه بالقارة يحتاج إلى جهود الجبابرة والى المعجزات الاستثنائية ليكون الأمر على ما هو عليه الذي تكلل عبر ثلاثة عقود ويزيد، من الجهود المضنية والسهر الطويل، بإنشاء دولة قوية هي (المملكة العربية السعودية) ينضم تحت لوائها ما تشعث من اجزاء وما هام من أعضاء، لتنكتب صفحة ناصعة البياض عن قيام الدولة الحديثة كأول تجربة نوعية باقية وكأول نموذج قابل للاحتذاء، في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، يبين شديد حاجتنا كعرب وكمسلمين إلى التزام قيم التوحد وإلى الاصطفاف بإرادة واحدة وتحت راية واحدة، تنبذ الفرقة وتدعو الى الائتلاف والمثول في كيان واحد. ما قام به الفارس عبدالعزيز من فعل نادر وفذ هو ما جعل المؤرخين يجهرون بالحقيقة المنصفة وبالعمل الرائد الذي أتى به هذا المؤسس العظيم: (إن تاريخ الملك عبدالعزيز صفحة ناصعة ومضيئة من صفحات التاريخ العربي والإسلامي والإنساني). إن كلمة المؤرخين وإشارتها الى الدوائر الثلاث، العربية والاسلامية والانسانية، لتؤكد حقيقة الأثر الكبير الذي تركه القائد الكبير وامتد في فعل خلاق من محيطه الصغير الى محيطه الدولي والانساني بفتح آفاق جديدة من الاصلاح والتجديد والبناء، انعكس أثرها على المواطن والمقيم والزائر، وعلى علاقة هذه الدولة بجوارها المحلي والاقليمي، وعلى تعاملها مع المجتمع الدولي. الأمر الذي اكسب هذا الوطن المكانة البارزة والثقل المؤثر، روحيا وسياسيا واقتصاديا، على نحو يجعلنا نفتخر بالانتماء لهذا الوطن ونتشرف بمواطنتنا فيه ونشعر بأننا نستحقه ولنا كل النصيب منه وفيه، لأننا نعرف حق المعرفة قيمته وما تستوجبه هذه القيمة من استحقاق للدفاع عن حياض هذا الوطن والذود عن وحدته وما تستهدفه من مؤامرات وفتن يشيعها الأعداء والمتربصون، الذين يريدون كيدا لهذه البلاد وتفتيتا لوحدتها الوطنية، ويطلقون سهام الحملات والمكر والتحريض والتي اخذ بها بعض المغرر بهم، لينغصوا على هذا الوطن أمنه وأمانه ورخاءه ورفاهية مواطنيه والمقيمين فيه. اننا مدعوون للوقوف صفا واحدا وكتلة متراصة، لنحمي وحدتنا الوطنية ومكتسباتنا الحضارية، وليستمر هذا الوطن منارة تهتدي بها الأجيال. وهذا يتأتى بالوعي العميق بالتغيرات التي يمر بها العالم، ونحن جزء من هذا العالم ولسنا جزيرة منفصلة عما عداها، تؤثر وتتأثر.. وبالاحاطة بأننا يجب ان نتواصل مع الجميع، داخليا وخارجيا، وهذا يستدعى الفهم وإعادة النظر في أمور علاقتنا مع الآخرين التي ينبغي ان تكون مبنية على الندية وعلى التماثل كما هي مبنية أيضا على الاختلاف وإفساح المجال لاستيعاب هذا الاختلاف ضمن ثوابتنا الحضارية وتاريخنا الإسلامي المجيد الذي وسع العالم من أقصاه الى أقصاه بفضل سماحته وطيب تعامله مع الآخر وتقديم النموذج الراقي الذي يجعل هذا الآخر ينجذب إلينا ويقف الى صفنا ويتفهم قضايانا. ان اليوم الوطني ذكرى سامية لرسالة يراد لها الاستمرار والمضي والمحافظة على ما فيها من خير وعطاء واستقرار.. حفظ الله وطننا وجعلنا جديرين بالعيش فيه والقيام بما فيه الصلاح ودوام الأمن والرخاء. والله من وراء القصد. مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية