قاريء التاريخ يتوقف دائماً عند التحول الدرامي في مركز شبه الجزيرة العربية في النظام العالمي من كونها ساحة للانقسامات القبلية ومسرحاً للتخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الى كونها احدى الكيانات الاستراتيجية المحورية في منطقة الشرق الأوسط خاصة والعالم أجمع وقد بدأت تلك التحولات في شبه الجزيرة العربية بقيادة الملك عبدالعزيز بتطبيق ما يسمى (بفن ادارة التنمية البشرية وتركيزها على الانسان وتنمية مشاعر الوحدة في أعماقه، والمواطنة في فكره والانتماء لوطن واحد متماسك مترابط يرفض الانقسامات والولاءات الفرعية القديمة). تعالوا نقرأ ما قاله المؤرخون امثال امين الريحاني، حافظ وهبه، احمد عبدالغفور عطار، جون فلبي، فاندرميلون، وليام كنين، ديفيد هوبود، أحمد عسه، وارمسترونج عن الملك عبدالعزيز لقد أجمعوا في تحليلاتهم وتناولاتهم لسياساته في شبه الجزيرة العربية بأنه فعلاً فارس (فن ادارة التنمية البشرية). ومن هذا المنطلق رأوا ان فن ادارته في التنمية البشرية في شبه الجزيرة العربية هي معين لا ينضب وليست كغيرها تتنفس لفترة محدودة ثم تموت، فقد كانت أفكاره واطروحاته (لفن ادارة التنمية البشرية) في شبه الجزيرة العربية في نظر هؤلاء المؤرخين تعيش الحاضر لشبه الجزيرة العربية وتتطلع للمستقبل للانضمام الى مجموعة الاسرة الدولية كدولة كاملة بعناصرها التالية : الاقليم الموحد، السيادة، السكان المتجانسين، الحكومة، ثم الاستمرارية. والحق ان الملك عبدالعزيز يعتبر صانع التنمية البشرية، بل هو واحد من هؤلاء الزعماء الذين تصدوا للقيام بالانصهار الاجتماعي في بلاده مما جعله فارس التنمية البشرية في شبه الجزيرة العربية. ولست اتجاوز الحقيقة اذا قلت انه على طول التاريخ في معظم دول العالم نجد ان اغلب الرؤساء الناجحين في ادارة التنمية البشرية هم الذين توافرت فيهم صفات القائد والزعيم الناجح، ولعل هذا هو سر المعجزة التي فجر طاقاتها الملك عبدالعزيز بأسلوب (ادارة التنمية البشرية) لسكان شبه الجزيرة العربية عن طريق نشر ثقافة المواطنة والانتماء ينعكس في كيان موحد انصهرت كياناته القبلية في دولة واحدة مكونها الاساسي والهام (السكان) وتلاشت معه ملامح الفُرقة والمنازعات والخصومات القبلية والمنازعات المتبادلة وحلت محلها ثقافة (الانتماء) للوطن الواحد. لذلك فان فن ادارة التنمية البشرية التي قادها الملك عبدالعزيز والتي حولت شبه الجزيرة العربية من قبائل متناحرة يسودها مبدأ الغارات المتبادلة الثأرية الى دولة ذات كيان واحد وانتماء واحد، ولا تزال افكاره في هذا المجال الانساني حية كانها بنت اليوم، فكلما اشتدت عواصف الازمات من حولها هرول الجميع الى فلسفة التنمية البشرية للملك عبدالعزيز لدعم ثقافة الانتماء ورفع لواء (حُب الوطن). وفي اطار ما يدور في الآونة الأخيرة عن ضرورة الاصلاح في العالم النامي، ودخلت هذه الدول منعطفاً جديداً وصعباً، فالكل الآن يتسابق في اصدار مبادراته الخاصة في ادارة التنمية البشرية، تجيء دعوتنا لنسمع ما قاله المؤرخون عن فارس التنمية البشرية، او بلغة هذه الدول فارس (الاصلاح) في بلادنا بعد خمسة عقود تعيد فحص وابراز مبادىء التنمية البشرية الطموحة للملك عبدالعزيز والتي وحدت شبه الجزيرة العربية في دولة ذات سيادة. وما أحوج هذه الدول الى قراءة غير نمطية لمعرفة سر المعجزة في فن ادارة التنمية البشرية في شبه الجزيرة العربية ترصد من خلالها الالتزامات وتوزيع الادوار بين فئات مجتمعاتنا لكي يسودها الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي لكي تجمع رموز المجتمع لمخاطبة الذات وتكريساً لوحدة الصف. خلاصة القول هو ان سر المعجزة هو ان التنمية البشرية التي قادها الملك عبدالعزيز كانت هدفاً لم يختلف عليه احد من ابناء شبه الجزيرة العربية، الا انه كان نابعاً من طبيعة سكانها في التوحد والبعد عن عدم الاستقرار الذي كان يرعب الجميع في شبه الجزيرة العربية.