في نظرة على المشهد الحالي للمنطقة التي نعيش فيها وللعالم تبدو كثير من الامور متداخلة، وتقترب الاحداث من لحظات الحقيقة بما فيها من تهديد وخطر محتمل ينذر بعواقب عصيبة يحيطها الغموض.. وعندما نتأمل الوضع الراهن فان ذلك يذكرنا بما اطلق عليه علماء النفس (عصر القلق) في الفترة التي سبقت وواكبت واعقبت الحرب العظمى الاخيرة، ولا عجب من تشابه المشهد الحالي بما حدث في العالم قبل 80 عاما. ومن وجهة النظر النفسية فان الخوف والترقب والاحباط واليأس هو الشعور الغالب الذي استطيع بحكم عملي ان استشعره ينتشر في اوساط الناس من حولي وهم يتابعون بقلق اجواء التهديد وعرض القوة والتلويح بالحرب والدمار من جانب الاقوياء في مواجهة الضعفاء والمستضعفين، وهو قانون اللعبة الحالية الذي يذكرنا بما أطلق عليه شريعة الغابة، ووسط ذلك تدور بالاذهان الكثير من التساؤلات التي تبحث عن اجابات شافية حول احتمالات ما سوف يحدث في الايام القادمة. ان الحياة تمضي.. والاعوام تتعاقب منذ بدء الخليقة وعهد آدم عليه السلام لكن الصراعات الانسانية والحروب والقتل والدمار لم تكن في عصر من العصور بهذا الحجم في كل بقاع الارض مثل الذروة التي وصلت اليها في عصرنا الحديث.. ومنذ الحرب العالمية الاولى في مطلع القرن الماضي والحرب العالمية الثانية قبل منتصف القرن نفسه لم تشتعل نقاط الصراع والحروب الساخنة في العالم مثلما يحدث في ايامنا هذه مع نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد، ولقد كان الناس يضربون المثل في الفوضى والظلم وغياب العدالة بقانون الغابة.. حيث يقوم القوى من الحيوانات بافتراس الضعيف. وحين يشاهد احدنا فيلما مصورا عن نمر يطارد غزالة رقيقة ثم يقوم بافتراسها وينهش لحمها، او آخر يصور نسرا كاسرا ينقض على حمامة وديعة فان ذلك كان يثير مشاعر الأسى والتعاطف مع المخلوقات الضعيفة.. واليوم اصبحنا نشاهد في نشرات الاخبار على القنوات الفضائية المتعددة مشاهد تفوق اقصى ما وصل اليه الخيال في افلام العنف التي كان يتسلى بمشاهدتها الشباب.. واصبحت مشاهد القتل وجثث الضحايا والقذائف التي تفتك بالبشر وتسبب الدمار للمباني والممتلكات معتادة ومتكررة لدرجة لم تعد تحرك الكثير من مشاعر الناس في انحاء الارض.. والمقارنة هنا بين شريعة وقانون الغابة وبين ما يقوم به الانسان نحو اخيه الانسان من سفك للدماء هي نوع من الغبن للحيوانات التي تمارس القتل بصورة محدودة ولاهداف واضحة هي الحصول على الغذاء والصراع من اجل البقاء. اما الانسان فانه حين يمارس القتل - وكانت البداية باحد ابني آدم الذي بسط يده ليقتل اخاه - فاننا لا نجد دافعا يتفق مع العقل لتبرير هذا الكم الهائل من الصراع وسفك الدماء والتدمير الواسع للبيئة الانسانية.. كل ما نجده هو مسميات متناقضة يطلقها كل طرف ليمارس بمقتضاها القتل والتدمير مثل (الارهاب) (ومكافحة الارهاب) و (الاحتلال والمقاومة) (وحرب التحرير) وشعارات اخرى غير ذات معنى مثل (حقوق الانسان) (والعدالة المطلقة) (والحرية الدائمة).. لكن المحصلة في النهاية تحت كل المسميات هي صراعات وقتل ودمارومآس انسانية ومشاهد عنف دموي تعيد الى الاذهان مشهد احد ابني آدم عند بدء الخليقة ويداه ملطخة بدماء اخيه.. وما اكثر الايدي التي اقترفت جرائم ضد الانسانية. والسؤال الآن: الى ا ين يتجه العالم؟ فالمشهد الحالي ينذر بمزيد من العنف والفوضى والصراعات في بقع كثيرة في معظم بلاد العالم.. ويصاحب ذلك حالة من الترقب والقلق وغياب الشعور بالأمن، وافتقاد الطمأنينة وراحة البال على المستوى الفردي والجماعي، وسيؤدي ذلك حتما الى زيادة الاضطرابات النفسية في كل المجتمعات الى حد لا يمكن تصوره. والأمل معقود على عودة الانسان الى منطق العقل والحكمة.. ومراجعة المواقف والسياسات التي ادت في النهاية الى الوضع المأساوي الحالي. @@ د. لطفي الشربيني