برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير تبوك يُكرّم مواطنًا تقديرًا لموقفه الإنساني في التبرع بكليته لابنة صديقه.    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه    سعود بن نايف يستعرض مسيرة "الرحمة الطبية"    وزير الموارد البشرية: 2.5 مليون موظف سعودي في القطاع الخاص    جمعية لمصنعي الآلات والمعدات    موجز    أسعار النحاس تسجل رقمًا قياسيًا جديدًا    فيصل بن مشعل : المرشدين السياحيين شركاء في إبراز الهوية السياحية للقصيم    الشركة السعودية البحرينية للاستثمار وممتلكات توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون والاستثمار في قطاعات استراتيجية    جامعة الأمير مقرن تُقيم حفلها الختامي لفعالية "هاكثون أنسنة المدينة"    ولي العهد يشيد بنجاح القمة ونتائجها الإيجابية.. وقادة دول التعاون: المساس بدولة خليجية تهديد للأمن الجماعي    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    حضور قائد    بوتين يتهم أوروبا بعرقلة الجهود الأميركية    تهمة القتل لمطلق النار في واشنطن    ولي العهد في برقيتي شكر لملك البحرين وولي عهده: «القمة الخليجية» ناجحة ونتائجها إيجابية    ضمن منافسات المجموعة الأولى لكأس العرب.. تونس تتطلع للتعويض وفلسطين للتأكيد.. وقطر تصطدم بسوريا    تسحب الجمعة في واشنطن بحضور كوكبة من المشاهير.. العالم يترقب قرعة مونديال 2026    الجبير يلتقي بالمفوضة الأوروبية للبيئة والمرونة المائية والاقتصاد الدائري التنافسي    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان التعاون المشترك والمستجدات    مدرب فلسطين: نحترم تونس    ضبط 760 كجم أسماكاً ودواجن فاسدة بعسير    نائب وزير العدل: 8.5 مليون مستفيد من خدمات «ناجز »    كشافة شباب مكة يشاركون في تكريم الزهراني    "بر الرياض" تعقد جمعيتها العمومية وتطلق هويتها الجديدة وخطتها الإستراتيجية 2030    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    المدينة تشهد تطويرًا متواصلًا للبنية التحتية    الكشافة وصناعة السلوك التطوعي    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الملحقية الثقافية السعودية في الأردن تحتفل باليوم العالمي للإعاقة    الثقافة السعودية تحضر في معرض «أرتيجانو آن فييرا»    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    سبع قمم يشارك في مهرجان البحر الأحمر    الدخول الذكي يهدد نزلاء الشقق المفروشة عبر التطبيقات    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    تحركات جديدة في ملف الرفات وفتح معبر رفح    العفو الدولية تتهم قوات سودانية بارتكاب جرائم حرب في مخيم زمزم    الشباب والفتيات جيل يتحمل المسؤولية بثقة ونضج    العراق تتغلب على البحرين بثنائية في كأس العرب    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    منال القحطاني تعيد الحياة لطفلة في لحظة حرجة    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    إثراء" يستعد لإطلاق حفل "أقرأ" الختامي في نسخته العاشرة.. الجمعة    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    أمير منطقة تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    مهرجان البحر الأحمر يعلن تعاونه مع «فيلم العلا»    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قشة الاختلاف التي قصمت ظهر الود
نشر في اليوم يوم 21 - 09 - 2003

"ليس ثمة إلا ترف حقيقي واحد هو ترف العلائق البشرية!"
تترك عبارة الأديب الفرنسي (أنطوان ده سانت أكزوبري) أثرا في الذاكرة لا يزول، فما الأدب والفن إلا محاولة مبدعة لتوطيد الألفة، وتبديد الوحشة، واجتياز حواجز العزلة. أما الثقافة الفردية فليست تكديسا للمعلومات بل طريقة حياة وأسلوب عيش، وهي " مسألة تغلب على الذات بقدر ما هي مسألة تحقيق للذات" على رأي تيري إيجلتون. وقد طفت عبارة أكزوبري على سطح الذاكرة وأنا أطالع تعليقا لأحد الأدباء الشباب، يقارن فيه بين تواصل المثقفين مع بعضهم في البلاد العربية، وما تشهده الساحة الثقافية المحلية من فتور يكاد يشبه القطيعة بين الأجيال الأدبية، مما يفاقم عنده كما يقول الشعور بالإحباط والميل للعزلة.
والواقع أن من يقرأ السير الأدبية والذاتية للكتاب والأدباء والفنانين في شمال العالم وجنوبه يجد فيها أثرا لذلك التواصل. ومع ذلك، فإن الصورة ليست زاهية إلى ذلك الحد الذي يشير إليه صاحبنا، فالمناوشات التي ترتدي جلباب الثقافة موجودة هنا وهناك. والمسألة لا تقتصر على الفجوة، أو قل الجفوة، بين الأجيال، بل إن عدوى ضعف الأواصر الأدبية قد انتقلت إلى أوساط أصحاب الصنعة الواحدة من الجيل الواحد. مع التحفظ على تعبير (المجايلة) لأنه ينبغي التمييز هنا، بين المجايلة الفنية أو الأدبية، والمجايلة الزمنية. فمن آباء الأدب إن كان للأدب آباء أو أمهات من هو أكثر انفتاحا وتجديدا وتجريبا من الأبناء ، بل ومن الأحفاد كذلك. لكن تلك الشكوى المتعلقة بالقطيعة لا تنقصها الوجاهة، حتى وإن اعتبرت أمرا ثانويا لا يستحق النقاش. فقد انتهت كما يبدو سنوات العسل الثقافي، وروح الأسرة الواحدة، والورش الأدبية، وضجيج الحوارات، وتلقائية العلاقات.
وفي محاولة تشخيص هذه الحالة، والبحث عن دوافعها وغاياتها إن كان لها غاية قد يميل من يحسن الظن إلى تعليل ذلك بإيقاع الحياة اللاهث، وظروف الحياة اليومية التي لا يجد المرء فيها فرصة لكي يلتقط أنفاسه. وهذه قراءة المتفائلين، وأصحاب النوايا الحسنة، إلا أنها ليست مجردة من الصحة تماما.
وبخلاف هؤلاء قد يرى بعضهم أن ظروف الحياة تكاد تكون متشابهة هنا وهناك. وأن هنالك أسبابا أخرى تعكر صفو المزاج الثقافي، ومنها قضايا الاختلاف الأدبي والفكري التي غالبا ما تنحرف عن مسارها العام لتتخذ مسارا شخصيا. وقد تحيل الاختلاف إلى خلاف يفسد كثيرا من علائق الود. وتزيد طين الخلاف بلة لغة التخاطب الحادة، وعدم الاعتراف بتجاور الأصوات، والضيق بتنوع التجارب. أما قتل الآباء لمن يعترف بهذه الأبوة الأدبية على الأقل فقد يأتي، أحيانا، تجسيدا لقول الشاعر: "أعلمه الرماية كل يوم / فلما اشتد ساعده رماني"!
وقد كانت صفحات الجرائد والمجلات هي المنبر الوحيد لكل تلك الحوارات التي لم تكتمل، وغالبا ما يتوقف أو يبتر الحوار، إذا طال، وفي نفس كل واحد من المتحاورين شيء من (حتى) الكلام. لهذا فإن الحوارات الحية والمباشرة قد تبدو أكثر إيجابية وحميمية من تلك التي تنشب على الورق، لكن مثل هذا الحوار الحي المباشر متعذر، لأنه لا توجد مقاه ثقافية كتلك المنتشرة في البلدان العربية عموما ومصر على وجه الخصوص، فقد كانت تلك المقاهي بمثابة حلقات وصل بين الأدباء والكتاب والمثقفين، ومحطات التقاء غير رسمية لعبت دورا بارزا في إثراء الحوار مثل مقهى الفيشاوي ومقهى ريش والأوبرا.
ويبدو أن تقدير الأواصر الأدبية والفكرية لم يتغلغل عميقا في النفوس بالقدر الذي تمناه عبد القاهر الجرجاني في كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه). حيث اعتبر أواصر الإبداع أقوى من أواصر القربى.
وكما هي الحال في كل مكان وزمان، فقد جنت الأيدلوجيا حينا، والأهواء والعلاقات الشخصية حينا آخر على الأدب والفن فجرى الاحتفاء، في بعض الأحيان، بالقائل لا بالقول. ولم يسلم من ذلك الموقف المتحيز الرصد والتوثيق الموسوعي، فشطبت أسماء، وسقطت أخرى (سهوا)، واحتفي (سهوا كذلك) بتجارب أقل عطاء وإبداعا وتواصلا مع الساحة الثقافية. أما الكارتيلات الثقافية الصغيرة فقد ساهمت بنصيب وافر في تعميق وتوسيع الهوة. وأما التناقض الصارخ بين القول والفعل، أو بين النظرية والممارسة، أو بين صناعة الكلمات والقدرة على تجاوز التناقضات والانتصار على فيروس الازدواجية، فقد دفع إلى الاعتقاد بأن "قرع الطبول في البعد أعذب!"
ولسنا نحاول هنا فحص أوراق الاعتماد الأخلاقية والفكرية، أو رصد المثالب والإخفاقات الشخصية، كما فعل بول جونسون في كتابه (المثقفون)، فالإنسان ليس حاسبا آليا مبرمجا لا يخطئ، بل نفس بشرية هي عبارة عن مزيج من العقل والعاطفة والأفكار والمشاعر المتضاربة، وهو عرضة للضعف والتحول، وبقية عوامل التعرية الاجتماعية والنفسية. نفس بشرية تسعى إلى تحقيق شيء من الرقي لكنها لا تدعي الكمال. تصيب مرة وتتعثر مرات. أجل. ليست هذه محاولة لفحص أوراق الاعتماد الأخلاقية والفكرية أو تعداد المآخذ والأخطاء، لكننا نتساءل: إلام الخلف والتباعد بين هؤلاء (الأعدقاء) الذين لا يمتلكون سوى الكلمات؟ فإذا اتخذ التنافس بين الطقاقين والطقاقات شكلا من أشكال التنافر فإن المتأمل في رواج سلعتهم قد يجد لهم العذر، فعندما يدعى ناقد أو شاعر أو قاص إلى المشاركة في أمسية أو ندوة يطلب منه أن يرتب أمور حله وترحاله ليعوض عن ذلك لاحقا، في حين يشترط أحد المطربين من الدرجة الثانية على مضيفيه حسب ما ذكرته إحدى الصحف المحلية أن تهيأ له سيارة فياغرا وسائق وحارس (بودي جارد) .. وإلا !! قد يقول قائل: حين يحتل الهامش صدر المشهد، وحين تكون المسافة بين لغة وأخرى شاسعة وحزينة فتلك مسافة لا يقطعها إلا الصمت. وقد يكون لذلك المنطق ما يبرره.. لكننا هنا لنتكلم ونتكلم حتى لا نشعر بالوحشة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.