عقّب امس صاحب العبارة الصحافية الأنيقة سمير عطاالله على مقال «المجايلة» الذي نشر هنا في 9 نيسان (ابريل). وهو مقال يشكو من سطوة الكبار على المشهد الثقافي في العالم العربي، على نحو غيّب الاعتراف بالجيل الجديد، وقفز على ثقافة المجايلة. الاستاذ سمير فهم المطالبة بوضع مقعد للشباب الى جانب الكبار على مسرح الثقافة العربية، بغية تسويقهم او تلميعهم، بحسّ وصيت هؤلاء الرواد، بأنها دعوة لانصراف الكبار من المشهد، ومحاولة لاستعجال نعيهم. وقال: «إن هذه العادة، او الظاهرة السيئة، المتمثلة في بقاء الفنانين والمثقفين، عامة لا علاقة لها بالعرب». وزاد: «انشأت فرنسا منذ قرون اكاديمية عليا لتكريم الكتاب والأدباء عندما يكبرون ويعظم انتاجهم». لا اعتراض. والثقافة نهر متصل، أطرافه تقوى بمنبعه. والمثل الشعبي المصري يقول «من فات قديمه تاه». الخلاف في التوقف عند اشخاص ومرحلة، والانحياز الذي يفت عضد التتابع والمجايلة. الاستاذ سمير قال: «نحن نعرف من هم أعلام الستينات والسبعينات، لكننا لا نعرف من ظلموا ومن غيّبوا». المشكلة ليست بأسماء، وانما بمبدأ ظلم. في السينما الغربية تسند البطولة لشاب جديد، بوجود الكبار، ويتحول الشاب الى نجم يصنع افلاماً بنفسه، ونجوماً آخرين. وفي السينما العربية، تبقى الكهلة صبية حتى تموت، والستيني تراوده طموحات الشباب. والصحافة العربية تعيد تدوير الاسماء، واذا تسلم صحافي رئاسة تحرير جريدة، بحث عن كتاب من جيله. وقبل سنوات قامت صحيفة عربية كبيرة بدراسة لمعرفة رغبات القراء. وفي مقدمة الدراسة قدم الباحثون وصفاً للجريدة، تخيلوها انسانا في منتصف الستينات من العمر. يضع نظارة سميكة على عينيه، ويدخن على الريق، ومعجب بحركات اليسار. وفي نهاية الوصف طرحت الدراسة سؤالاً. كيف يستطيع رجل بهذه المواصفات ان يخاطب قراء الصحف من الشباب؟ معظم لجان جوائز الإبداع في العالم العربي من الجيل القديم، ولهذا تنحاز هذه اللّجان الى جيلها. الكتاب والشعراء لا يموتون برحيلهم، ولا أحد يريد أن يتطاول على الكبار. لكن المطلوب ان تتسع الخشبة لجيل الشباب، وتتوقف القطيعة. قبل اسابيع جلست الى مثقف عربي كبير، وخلال حديث طويل عن شتى مجالات الحركة الثقافية، لم اسمع منه اسماً واحدا من جيل الشباب في بلده. كل الذين يتحدث عنهم من الرواد. وان جاء على ذكر الشباب قلل من قيمتهم. كأن الزمن توقف عنده وجيله.