لا شك أن الثقافة الفلسطينية تمر بمرحلة حساسة جدا اثر الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني , وحين عقد مؤتمر الثقافة الفلسطينية في القاهرة كان المقصود أن يجعل من الثقافة خط الدفاع الأول عن الثقافة العربية لأنها جزء منها وتمثلها بدرجة كبيرة. وقد حشد المؤتمر مجموعة كبيرة من المثقفين الفلسطينيين والعرب, مما يدل على تركيز الاهتمام عليه واعطائه الأولولية التي يستحقها. وقد حاول المجتمعون تحديد أولويات واحتياجات الثقافة الفلسطينية في هذه المرحلة , وكذلك وضع استراتيجيات عامة والتأكيد عليها حيث اجمع المشاركون على ضرورة التأكيد على أن الهوية الثقافية الفلسطينية جزء بارز من الحق الفلسطيني الذي يحاول الصهاينة سلبه بشتى الطرق , حيث تأتي الثقافة الفلسطينية لاثبات وتأكيد الخصوصية الفلسطينية والدفاع عن ديمومتها. كما أن الانصهار في العولمة بما فيها من ايجابيات محتملة وسلبيات مؤكدة لا تهدد فقط الارث الفلسطيني والعربي بل تعمل ايضا على نسف الارث الثقافي البشري برمته. واضاف المشاركون أن الثقافة الفلسطينية استطاعت من خلال مميزاتها وخصوصيتها في اوربا وأمريكا وافريقيا في كل مجالات الابداع الفني والتميز الفكر بفضل ما اتسمت به من تفتح وما تميز بع رواد الفكر والابداع الفلسطيني من قدرة على استيعاب المستجدات , كما أن الثقافة العربية بصفة عامة اصبحت مستهدفة بصفتها اداة مقاومة لما تحمله خطة العولمة من تنميط واستنساخ ثقافي للبشر وفق القيم المتوارثة. واتفق المشاركون على ان الثقافة الفلسطينية تعد سلاحا خاصا بالتنمية في الحالة الفلسطينية لخوض معركة التحرير حيث يحتاج المشروع الثقافي الفلسطيني الى سياسة ثقافية داخل الوطن وخارجه لكي تتعامل مع مفردات الثقافة الملموسة وغير الملموسة. وأكد المشاركون على ضرورة اقرار الاهداف الاستراتجية للخطة القومية والتي تهدف لتعزيز المحتوى الوطني والديمقراطي في الثقافة الفلسطينية واقامة البنى التحتية الضرورية للعملية الثقافية وتوفير التدريب والتأهيل للعاملين في مختلف مجالات الثقافة مع العمل على تمكين ابناء الشعب الفلسطيني من الانتفاع بالثقافة والمشاركة في الحياة الثقافية لتعزيز المعرفة وتدعيم القيم الإنسانية وتعميق الارتباط بالارض وما تحتويه من تراث وتاريخ ومشهد حضاري وتقوية الشخصية الوطنية والوجدان الوطني. وقال الدكتور جابر عصفور ان هناك مجموعة من الثوابت المستقرة، اولها علاقة التفاعل بين الثقافة الفلسطينية والثقافة العربية سواء في بعدها المقاوم او بعد التأثر والتأثير، والثابت الثاني: المعنى المتجدد للمقاومة الذي يجب الا نخلط بينه وبين الاستسلام باسم المرونة. والثابت الثالث هو الايمان العميق بدور الثقافة في المستقبل، خصوصاً في اوطاننا العربية، وآن لنا ان نرفع اصواتنا لنؤكد انه لا تنمية حقيقية بدون ثقافة حقيقية. ولا تقدم اقتصادي بدون تقدم ثقافي، فالثقافة هي العقل الذي يتفتح والذي لا يكف عن ابتكار وسائل للمقاومة، والثقافة هي المدخل الصحيح والسليم لكل شيء، حتى لتحررنا من الاستعمار الذي يجثم على فلسطين والعراق وداخل كثير منا. واكد زياد ابو عمرو وزير الثقافة الفلسطيني ان توقيت هذا المؤتمر مناسب جدا ، لاننا في وقت نحتاج فيه إلى المراجعة لتحديد الخطط والاستراتيجيات والثقافة في فلسطين التي تتعرض للكثير من التحديات، وهي التي تحدد اجندتنا الثقافية. مضيفا أن المشروع الصهيوني في فلسطين يعتمد سياسة الاحلال والنفي من خلال مصادرة الاراضي واقامة المستعمرات، وهو يهدف إلى الغاء وجودنا المادي على ارضنا وتدمير ثقافتنا. واشار إلى ان رؤيتنا واستراتيجيتنا الثقافية يجب ان تضع في مقدمة اهدافها مواجهة هذا الخطر بافشال المخطط الصهيوني في فلسطين، ولا بد من مواجهة تحدي الديمقراطية والعلاقة مع الثقافات الاخرى، واقامة مجتمع ونظام عصريين يقومان على التعددية وحرية الرأي واحترام حقوق المرأة. واشار إلى ان مواجهة الاخطار التي تحيق بالهويتين الوطنية والثقافية تتطلب الفهم العميق لطبيعة المشروع الصهيوني في اسرائيل واعداد الخطط لمواجهته وافشاله، وتعميق الوعي الفلسطيني والتنشيط الدائم له وترجمته إلى فعل داعم للثقافة الوطنية، كما تتطلب صياغة علاقة سليمة وتكاملية بين الثقافة الفلسطينية وعمقها الثقافي العربي، مع الحفاظ على الاصيل من تراثنا وتعزيز هذه العلاقة من خلال الانفتاح على الثقافات الاخرى، وتحديد المفاهيم العقلانية للتعامل مع ظاهرة العولمة بما يحد من سلبياتها ويعمل على الاستفادة من ايجابياتها. واوضح ابو عمرو ان الثقافة الفلسطينية تقف في خط الدفاع الاول عن الثقافة العربية، والثقافة الفلسطينية كذلك تدافع بحكم الظرف الموضوعي عن الثقافة الانسانية عندما تقف في وجه الظلم والاستبداد. وأكد د. المنجي بو سنينه ان ثقافتنا العربية ثقافة تواصل والتقاء يعززها لغة واحدة وتراث واحد، وتسير نحو مستقبل مشترك، وليست مشاركة المنظمة في هذا المؤتمر الا خطوة في دعم الثقافة الفلسطينية والحفاظ على تراثها، وقد احتلت الثقافة الفلسطينية حيزاً كبيراً في خطة المنظمة، ومنذ انشاء السلطة الفلسطينية فان المنظمة العربية ستظل وفية لدعم العمل الثقافي في فلسطين. واشار الصياد الدكتور احمد الصياد إلى ان الثقافة الفلسطينية من اهم الروافد الخلاقة التي اسهمت في تجديد الثقافة العربية، ومنظمة اليونسكو تهدف إلى تنشيط الحياة الثقافية في فلسطين والحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي فيها، كما تهدف إلى تشجيع التنوع الثقافي واحياء القيم الثقافية. واشار الصياد إلى ان منظمة اليونسكو اعدت مشاريع ثقافية الهدف الاساسي منها توفير الدعم المؤسسي والمساعدة في المجال الاداري وتوفير التقنيين في مجالات مثل الترميم والاستفادة من الابداعات القديمة والحديثة للثقافة الفلسطينية. وعلينا تشجيع الانتاج الثقافي والفني للاطفال والشباب في فلسطين حيث ستشارك اليونسكو في ديسمبر القادم في تنظيم ندوة لوضع خطة عمل تتعلق بالسياحة الثقافية في فلسطين وسيشارك فيها جميع المعنيين من الفلسطينيين . وقال د. محمد هاشم الفالوقي لقد واجهت الثقافة العربية الاسلامية عدداً من التحديات على مدار تاريخها الطويل وتتمثل اليوم في العولمة، واليوم نحن امام ظاهرة ما يعرف بالعولمة الثقافية التي ستبلغ درجة قصوى من التغلغل، ولا بد انها ستتراجع حتماً امام ارادة الشعوب، وسيجد العالم الاسلامي نفسه مضطراً للدخول في معارك ثقافية، لكنه يتمتع بالمناعة، واشار إلى ان قضية فلسطين تبوأت الصدارة في العمل الثقافي الاسلامي المشترك. وقال الشاعر احمد دحبور وكيل وزارة الثقافة الفلسطيني في ورقة عمل تحت عنوان المشروع الثقافي الفلسطيني ان الشعر الفلسطيني انعكاس للملامح الثقافية الفلسطينية وذكر خمسة من الشعراء لانهم يشكلون حالة نوعية للثقافة مع احتفاظ كل منهم بخصوصيته وهم ابراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي "ابو سلمى" ومطلق عبد الخالق وحسن البحيري وعبد الرحيم محمود وتميز شعر هذه الكوكبة الرائدة مسارين متكاملين الاول كان ذاتياً جمالياً والثاني كان ملتزماً بقضايا الوطن والامة فمن تحذيره من مؤامرات الانجليز والخطر الصهيوني إلى دعوة صريحة للمقاومة والثورة بما في ذلك من تمجيد للشهداء والثوار إلى تحريض لمثقفي العرب من اجل ان يدلوا بأصواتهم في خدمة القضية إلى دعوة للوحدة الوطنية إلى قصائد تضامنية مع قضايا العرب في كل مكان. فالشعر الفلسطيني كان ولا يزال عميق الارتباط بالعروبة، وقد اخذ هذا الشعر طابعاً تقدمياً يسارياً في حالات معينة كان ابرزها من مثلها ابو سلمى وقد ساهمت المرأة الفلسطينية في خريطة الشعر مثل اسمى طوبي وفدوى طوقان. وفي النصف الاول من القرن العشرين كان للفكر ومختلف اشكال الكتابة النثرية حضور بارز في المشهد الثقافي الفلسطيني فكتب روح الخالدي منذ بدايات القرن في النقد المقارن وكتب نجيب نصار بعض الروايات وتميز السياسي الفلسطيني جمال الحسيني بروايته "على سكة الحجاز" "وثريا" وركز كتاب قصة قصيرة من امثال محمود سيف الدين وخليل بيدس وعارف العزوني وامين فارس وغيرهم، وتنوع الفكر السياسي حسب انتماء المثقفين بين اسلامي وقومي وعربي وماركسي وشهدت فلسطين نهضة صحفية كبرى ولا سيما في يافا وحيفا والقدس حتى ان عدد الصحف بلغ في وقت ما خمسين او اكثر، ومن هنا فقد كان المجتمع المدني ينهض تلقائياً بمهمة الاداء الثقافي في فلسطين ذات الوضع الملتبس. وقال عبد الله تايه لقد عانى الكاتب الفلسطيني تحت الاحتلال من السجن والابعاد والقتل ومصادرة كتبهم وملاحقة السلطات الاحتلالية لهم ولكتبهم فظهر ادب المقاومة منذ بداية السبعينات وان بدأ يتغير في اوائل الثمانيات في طريقة التعبير وجماليته وفنيته وبعد ذلك انشئ الاتحاد العام للكتاب عام 1980 وتصدى الكاتب الفلسطيني بشكل دائم لقضايا شعبه وامته مشاركاً في الانشطة الثقافية والادبية مندمجاً في الحركة الوطنية وفضح الاحتلال وممارساته وعندما بدأت حرب لبنان 1982 سادت النظرة التشاؤمية نتيجة للموقف العربي ورأى الكتاب اسطورة الصمود الفلسطيني اثناء حصار بيروت ثم الخروج منها إلى المنافي المختلفة ثم سادت فترة صمت عميق وتأمل اجتاحت الكتاب خلال الفترة من 83 إلى 87 التي توقف فيها الكتاب إلى ان اندلعت الانتفاضة الاولى 87 والتي استمرت حتى قدوم السلطة الوطنية عام 1994 وعلى اساس اتفاقيات اوسلو والتي كان للكتاب فيها اراء مختلفة من التأييد والمعارضة والتحفظ فتعد اعمال الكتاب في المرحلة من 67 إلى 1994 مرجعاً للدارسين يهمهم التعرف على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال واعادة نشر هذه المطبوعات هي خطوة ضرورية توثق لحياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. واكد ابراهيم السعافين ان الثقافة الفلسطينية هي اهم القلاع للوقوف في وجه اعتى هجمة تستهدف التاريخ والجغرافيا ومن هنا لا بد من احياء نماذج الادب الفلسطيني الذي يحقق القيم الاصيلة للشعب وفي قمتها التشبث بالارض والتمسك بحق العودة ورفض الوطن البديل في أي مكان على الرغم من ايمان الفلسطيني بانتمائه العربي والاسلامي وان كانت الظروف المأساوية التي مرت بها فلسطين قد دمرت جانبا كبيراً من بنيته الثقافية والديموغرافية والمعمارية ومن هنا فانه ينبغي بذل جهد وطني لاظهار الهوية الفلسطينية في مختلف المجالات واستعادة الكنوز الوطنية من براثن الضياع. واليوم بعد مرور أكثر من أسبوعين على انعقاد المؤتمر هل يمكن القول أنه استطاع ان يحقق شيئا للثقافة الفلسطينية أم أنه مجرد مؤتمر عربي انتهت صلاحيته بمجرد خروج المؤتمرين من القاعة وإذا كانت الثقافة العربية لا تلاقي دعما كافيا من قبل المؤسسات المختلفة فقد حان الوقت الآن لتفعيلها والاهتمام بها ووضعها كاستراتيجية في خططنا المستقبلية لأنها الركيزة الأولى التي تعتمد عليها جميع افكارنا , وعلى اتفاق الجميع فإن الثقافة الفلسطينية هي خط الدفاع الأول للثقافة العربية , فلماذا لايتم صياغة مشروع ثقافي عربي جديد قائم على هذا الأساس؟ إذا تحقق ذلك فلربما نكون خطونا خطوة للأمام في دعم مسيرة الثقافة الفلسطينية.