تم خلال الأيام الماضية رفع العلم الفلسطيني، في مقر اليونسكو، تأكيدًا على انضمام فلسطين إلى المنظمة. وقد شارك في الاحتفال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والمديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، ورئيسة المؤتمر العام كاتالين بوجياي العام، ورئيسة المجلس التنفيذي أليساندرا كومينس، ورؤساء المجموعات الإقليمية في المنظمة. ومنحت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عضوية كاملة للفلسطينيين نتيجة تصويت أجرته الجمعية العمومية لليونسكو التي تضم 194 عضوًا وهو التصويت الذي جرى في باريس. وقال القرار الذي أيدته 107 دول إن «الجمعية العمومية (لليونسكو) قررت قبول فلسطين كعضو في اليونسكو». وصوت 14 بلدًا ضد القرار فيما امتنع 52 بلدًا عن التصويت. وصوتت كل من الولاياتالمتحدةوألمانيا وكندا ضد القرار بينما امتنعت إيطاليا وبريطانيا عن التصويت. فيما صوتت كل الدول العربية وأغلب الدول الأفريقية والأمريكية اللاتينية مع القرار. وأبدت فرنسا تحفظات جدية في السابق على المسعى الفلسطيني في اليونسكو مع القرار. وقال بيان صادر عن اليونسكو بعد التصويت أن «دخول فلسطين يرفع عدد الدول الأعضاء في اليونسكو إلى 195». وصرح المبعوث الإسرائيلي نمرود بركان لوكالة الصحافة الفرنسية أن إسرائيل تقر بأن الفلسطينيين سيحصلون على تصويت للانضمام إلى اليونسكو كعضو كامل العضوية. فيما قطعت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن اليونسكو 22% من موازنتها، أي نقص تقدر قيمه ب70 مليون دولار اعتبارًا من العام 2011. وكانت الدولة الفلسطينية قد فشلت في الانضمام إلى منظمة الأممالمتحدة وخسرت عضويتها هناك بعد التصويت الذي تم في نوفمبر الماضي. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حفل رفع العلم متوجها إلى الوفود وجمع المشاركين إن انضمام فلسطين إلى اليونسكو هو «بشارة وفاتحة»... ولفت إلى دور «المدرسين والشعراء والكتاب والفنانين والباحثين تاريخيا، الحاسم في أن يعبر شعبنا تلك المحنة وأن ينهض من جديد شاهرًا هويته الوطنية في سعيه الدؤوب نحو الحرية، متسلحًا بالعلم كي يواجه أبناؤه المصاعب وهم يتقدمون وينجزون في مسارات الحياة كافة» وأكد الرئيس عباس على دور اليونسكو البارز في مسيرة الشعب الفلسطيني قائلًا: «فقد كانت ولا تزال شريكًا أصيلًا وداعمًا رئيسًا لنا في التخطيط والإنجاز». ورحبت المديرة العامة لليونسكو بفلسطين في رحاب المنظمة وقالت: «إن اليونسكو تعمل على الخطوط الأمامية اليوم، من أجل بناء عالم أكثر سلمًا، عالم أكثر ديمقراطية وأكثر عدلًا. إن كرامة الإنسان هي نقطة البداية بالنسبة لنا ومقياس نجاحنا والتضامن هو دليلنا وهدفنا». وأضافت أن العمل متعدد الأطراف ولم يحظ في الماضي أبدا بهذا المستوى من الاهتمام الذي نراه اليوم. ويجب على هذه العضوية الجديدة أن تكون فرصة للجميع لنلتقي حول القيم المشتركة والطموحات المتجددة نحو السلام. وانطلاقًا من هذا الشعور إنني أرحب بفلسطين في اليونسكو. وبذلك تصبح اليونسكو أول وكالة للأمم المتحدة توافق على قبول فلسطين كعضو كامل العضوية فيها بعد صوتت الدول الأعضاء على الاعتراف بفلسطين بوصفها العضو 195 في منظمة اليونسكو في 31 أكتوبر الماضي، خلال الدورة 36 للمؤتمر العام للمنظمة. وقال مبعوث المملكة العربية السعودية لليونسكو الدكتور زياد الدريس: لقد احتفلنا في مقر اليونسكو بباريس بحضور رئيس دولة فلسطين ورئيسة اليونسكو، برفع العلم الفلسطيني على سارية المنظمة جنبًا إلى جنب مع أعلام الدول الأعضاء في المنظمة الذين ارتفع عددهم بالأمس إلى 195 دولة، ولو كان الخيار لي لزدت عدد الأعضاء مئة رقم وليس رقمًا واحدًا، ففلسطين ليست كأي دولة أخرى اعتيادية، في ثرائها الديني أو في كنوزها التراثية أو في مأزقها الاستعماري الذي جعلها تنتظر اثنين وعشرين عامًا من التقديم المتوالي لطلب العضوية حتى تحقق لها المنال في هذا العام.. عام 2011 السحري! وأضاف أن رئيسة اليونسكو، السيدة النبيلة إرينا بوكوفا، كانت تحتفل أمس بالعرس الذي يسبب لها المصاعب، وتفرح بما هو أذان لها بالمتاعب، وتبتهج على رغم الضيق الذي يطاردها منذ يوم التصويت التاريخي. كانت كأنها تزفّ حبيبين لبعضهما رغم أنف (العمّ) الرافض العرس بحجة عدم التوافق الطبقي! أليست إرينا بوكوفا هي التي صرحت الأسبوع الماضي أن «سنة 2011 تمثل منعطفًا في الكفاح من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيزها». ها هي إذًا، تشارك بقوة في وثيقة 2011 الشرفية. وما أحوجنا إلى تكريمها حين نكرّم شخصيات عام 2011. وإلى أن يحين اعتراف منظمة الأممالمتحدة بدولة فلسطين، يمكن للفلسطينيّين أن يتباهوا بالنصر الدبلوماسيّ الأول الذي أحرزوه بانتزاع فلسطين العضوية الكاملة في منظمة التربية والثقافة والعلوم الدولية» (اليونسكو) لتصبح الدولة الخامسة والتسعين بعد المائة في هذه المنظمة الدولية. ولا يبقى على فلسطين سوى القيام ببعض الإجراءات الشكلية والتوقيع والمصادقة على الميثاق التأسيسي لليونسكو، في لندن. وكان وزير الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي، قد أعلن في المؤتمر العام لوكالة منظمة الأممالمتحدة، قائلًا: «إنها فعلًا لحظةٌ تاريخية، تُعيد إلى فلسطين بعض حقوقها. ففلسطين هي مهد الديانات والحضارات». وأكّد قائلًا إنّ الفلسطينيين كانوا في حاجةٍ إلى مساعدة اليونسكو لحماية التراث التاريخي والثقافي للمنطقة. ويعتبر المالكي أنّ هذا الطلب منفصلٌ تمامًا عن تحرّك الأممالمتحدة في نيويورك بغية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما يجب فحص هذا التحرّك ابتداءً من 11 نوفمبر الماضي. إسرائيل تحذر مؤيدي فلسطين لهذا السبب، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو قبل التصويت إلى أن «التوقيت لم يكن مناسبًا، كما أن المكان لم يكن مناسبًا أيضًا» للسعي إلى الانضمام إلى عضوية اليونسكو. إذ تخشى فرنسا تعطيل المفاوضات الجارية في نيويورك. وفي حين اعتزمت فرنسا الامتناع عن التصويت، شأنها في ذلك شأن إيطاليا، والمملكة المتحدة، فقد صوّتت لفلسطين وفاجأت الجميع. فهي باستثناء رفضها التوقيت الذي اختاره الفلسطينيون، لا تجد شيئًا يبرر مبدئيًا معارضتها لانضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو. وأضاف فاليرو قائلًا: «يحقّ لفلسطين أن تصبح عضوًا في هذه المنظمة التي تتمثّل مهمتها في العمل على نشر ثقافة السلام داخل المجتمع الدولي». إنّ انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو له تداعياتٌ دبلوماسية مهمة. فالولاياتالمتحدة الأمريكيّة التي رفضت التصويت، شأنها في ذلك شأن ألمانيا وكندا، علّقت مشاركتها المالية في الوكالة، فحرمتها من ربع ميزانيتها تقريبًا. فالأمريكيّون، الذين يشاركون، بنشاطٍ وفعالية في البرامج، منذ العام 2003، وبعد 20 عامًا من المقاطعة، يقفون مكتوفي الأيدي، منذ بداية التسعينيات، أمام قانونين يحظّران عليهم تمويل وكالةٍ متخصصة في الأممالمتحدة، من شأنها أن تقبل الفلسطينيين كدولة كاملة العضوية، في ظلّ غياب اتفاق سلامٍ مع إسرائيل. لكنّهم وعدوا - عبر السفير الذي يمثّلهم - بمواصلة «تعزيز ودعم» الأعمال المهمة لمنظمة اليونسكو. في البداية، يجب على اليونسكو التخلّص من مبلغ ال60 مليون يورو، الذي تكون وزارة الخارجية على استعداد لتسديدها في نوفمبر. كما ينبغي على إسرائيل الإعلان أيضًا عن تعليق مدفوعاتها. يمكن لعملية السلام الضعيفة أصلًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن تعاني أيضًا من هذا الوضع. وقد وصفت وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية هذا الانضمام «بالخطوة الفلسطينية الأحادية الجانب، التي لن تغيّر شيئًا على أرض الواقع، إلاّ أنها تزيد من استبعاد إمكانية حصول اتفاق سلام». من ناحية أخرى، حذّرت الوزارة من أنّ البلدان التي دعمت الطلب الفلسطيني، سوف ترى تأثيرها على إضعاف الدولة اليهودية. إلى جانب فرنسا، يستهدف التهديد في الواقع غالبيّة الدول العربية والإفريقيّة ودول أمريكا اللاتينية. ردّ الفعل هذا ليس مستغربًا. فالولاياتالمتحدة الأمريكيّة كانت تدرك ذلك تمامًا. وقد أعرب، المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، عن أسفه إزاء هذا التصويت «السابق لأوانه وغير المثمر مع هدف المجتمع الدولي في تحقيق سلامٍ شامل وعادل ودائم، في الشرق الأوسط». ردود فعل إسرائيلية الخطوة الرمزية المتمثّلة برفع علم فلسطين على مقرّ منظمة «اليونسكو « الدولية، قابلها الكنيست الإسرائيلي بمشروع قانون لإلغاء اللغة العربية في فلسطينالمحتلة.. ولتكريس اللغة العبرية كلغة وحيدة في البلاد، اتّخذت وزارة التعليم الإسرائيلي مؤخرًا قرارًا بإخراج عدد كبير من الموضوعات من قائمة التعليم المعتمدة بالنسبة إلى المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة، ومنها موضوعات اللغة العربية وأخرى تتعلق بدراسات العالم العربي والإسلامي. وإذا ما وُضع القرار حيّز التنفيذ، فإن التلاميذ الذين يُمتحنون في هذه الموضوعات سيحظون في عملية القبول في الجامعات بعلامة دنيا من 5 حتى 20 بحسب صحيفة «معاريف»، علمًا بأنه من أصل 300 ألف تلميذ يتقدّمون إلى امتحانات الثانوية العامة سنويًا، هناك نحو 2.100 تلميذ ثانوي في القطاع الرسمي يُمتحنون بحجم 5 وحدات عربية ونحو 700 يتقدّمون إلى الامتحانات في دراسات العالم العربي والإسلامي. تُظهر الأبحاث الإسرائيلية أنّ نسبة أحقية الطلاب العرب لشهادة الثانوية العامة (التوجيهي) كانت في العام 2008 نحو 32% فقط، مقابل 60% تقريبًا لدى نظرائهم اليهود. وفي واقع الأمر فإنّ 75% من خرّيجي المدارس العربية محرومون من فرصة الالتحاق بالتعليم العالي، فيما يواجه الباقون عراقيل تكاد تكون تعجيزية لجهة القبول في الجامعات، خصوصًا في موضوعات المهن الحرّة التي يُقبِل عليها الطلاب العرب نتيجة واقع سوق العمل الإسرائيلي. وتؤكد الدراسات الفلسطينية أن 50% فقط من الأطفال العرب يلتحقون برياض الأطفال مقابل 90% من اليهود، ويشكّل العرب أقلّ من 10% من طلاب البكالوريوس في الجامعات الإسرائيلية، و5% من طلاب الماجستير، و3% من طلاب الدكتوراه، في حين أن نصف الأكاديميّين العرب يعملون في مجالات مختلفة عن مجال تخصّصهم الأساسي. وتسجّل نسبة البطالة بين الأكاديميّين العرب أرقامًا قياسية بفعل انسداد آفاق العمل الأكاديمي العربي. هكذا فإن فلسطين العربية بعد اليوم هي من دون لغة عربية! فلسطينالمحتلة من دون لغة تمثّل تاريخ المتحدثين بها، من دون أرض وثقافة ولاحقًا من دون شعب! فلسطين تقف اليوم على أبواب أكثر القوانين عنصرية في العقد الأخير هو مشروع قانون «ديختر». وهو قانون يسعى من خلاله الكنيست الإسرائيلي إلى إلغاء اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في البلاد وتكريس اللغة العبرية كبديل لها، وذلك التزامًا بمنهجية الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون القائل: «الكبار سيموتون والصغار سينسون»، والرامية بالتالي إلى خلق «عربي إسرائيلي» هجين يتكيّف والنظام العنصري السائد. دعما للآثار الفلسطينية ويسمح منح العضوية الكاملة لفلسطين في منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، للفلسطينيين بترشيح الكثير من المواقع الأثرية للتراث العالمي الإنساني التي تعزز قطاع السياحة لكنه سيثير على الأرجح جدلًا كبيرًا مع إسرائيل. من جهتها، صرحت وزيرة الثقافة الفلسطينية سهام البرغوثي «بعد حصولنا على العضوية في اليونسكو بصفتنا دولة سنتمكن من العمل على حماية تراثنا وثقافتنا من الإجراءات الإسرائيلية المفروضة علينا». وكانت السلطة الفلسطينية رشحت بالفعل رسميًا في فبراير الماضي مدينة بيت لحم في الضفة الغربية ومكان ميلاد المسيح لإدراجهما على لائحة التراث العالمي. ويفترض أن تتخذ اليونسكو قرارًا في هذا الشأن في يوليو 2012. وقدمت كل من وزارة السياحة والآثار وبلدية المدينة ومركز حفظ التراث الثقافي في بيت لحم بطلب لإدراج «كنيسة المهد» و»مسار الحجاج» إلى اللائحة نفسها. وتعود كنيسة المهد إلى عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين في القرن الرابع وهي من أكثر الكنائس قدما وأهمية لدى المسيحيين. والكنيسة مهددة بالخطر بسبب تداعيها. ويدير الكنيسة بشكل مشترك الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الأرمينية وبطريركية اللاتين في القدس. وتطمح السلطة الفلسطينية أيضا إلى إدراج نحو عشرين موقعا آخر على القائمة من بينها مدينة الخليل التي تضم الحرم الإبراهيمي الشريف وهو مكان متنازع عليه بين المسلمين واليهود، وكذلك أريحا وهي من أقدم المدن في التاريخ الإنساني. واتخذت إسرائيل ترتيبات خاصة لتقسيم الحرم بعد مجزرة 25 فبراير 1994 عندما فتح مستوطن يهودي النار على المصلين مما أدى إلى مقتل 29 منهم. وتقضي هذه الترتيبات بفتح الحرم بكل أقسامه أمام المسلمين خلال صلاة الجمعة في رمضان وعيدي الفطر والأضحى بينما يسمح للمسلمين بالوصول جزئيًا للحرم في الأيام العادية. وأصبح التقاتل على التراث في الأراضي المقدسة من أهم نقاط الصراع العربي الإسرائيلي. وقد يؤدي قرار اليونسكو إلى تفاقم التنازع على المواقع الأثرية في مهد الديانات السماوية الثلاث. ففي العام الماضي قررت السلطات الإسرائيلية تجميد تعاونها مع اليونسكو بعد قرار المنظمة اعتبار «قبر راحيل» مسجدًا إسلاميًا أيضًا، الأمر الذي رفضته إسرائيل ولكنها تراجعت عن قرارها بعد ذلك بوقت قصير. وقبر راحيل هو المكان الذي يعتقد اليهود أن راحيل زوجة النبي يعقوب مدفونة فيه. وهو ثالث الأماكن اليهودية قدسية لكنه في الوقت عينه مكان مقدس بالنسبة إلى المسلمين الذين يطلقون عليه اسم مسجد بلال بن رباح. ويشكل هذا الموقع الديني جيبًا يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي في قلب مدينة بيت لحم الفلسطينية التابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية. ومن المواقع الأخرى الدينية والثقافية والطبيعية التي يسعى الفلسطينيون لإدراجها في اللائحة وحددتها دائرة الآثار الفلسطينية جبل جرزيم المقدس لدى الطائفة السامرية وخربة قمران على ضفاف البحر الميت حيث اكتشفت مخطوطات والبحر الميت، وبلدة نابلس القديمة شمال الضفة الغربية.