هناك لغات متعددة تخاطب فئات من العلاقات الإنسانية أو الفكرية. لغة تخاطب القلب ، وأخرى العقل ، وأخرى السلوك وأخرى الصداقة . اليوم بالذات اخترت الحديث عن لغة الجسد. وأحب أن أطلق عليها مسماها الحقيقي لأننا قد نهتم بتعلم أي لغة ماعدا لغة أجسادنا بل جلودنا . ونشتكي ونحتار في إحساسنا بالجفاف في علاقاتنا الزوجية ولا نسأل أنفسنا عن السبب. وليس هناك أجمل من حادثة طريفة أو لقاء يلفت انتباهك لما أجبرتك الأيام على نسيانه مع الوقت. كنت مدعوة في أحد المطاعم الهادئة مع مجموعة من الصديقات الحميمات . وكنا قد التقينا بعد فراق دام سنوات وكل منا قد علبتها الحياة الأسرية في عالم آخر. تجاذبنا أحاديث كثيرة بعد ثرثرة الذكريات .. دار معظمها كالعادة عن الأزواج وقصص محفوظة عن متاعب الأولاد وعدم مسؤولية الأزواج والخدم والعمل ....الخ . لفت نظرنا وجه حنان ، كان مليئا بالحيوية ، قسماتها توحي بأنها اخترقت حاجز المشاكل الروتينية ، تعبيراتها كانت بسيطة لكنها مليئة بالرضا. أعجبني إصرار وجهها على الحياة. سألتها بصوت قصدت أن أقطع فيه كل تلك الأحاديث المملة. * ماسر تلك النضارة يا حنان. تبدين كمن أحبتها الشمس وعشقها القمر ، لم تتغيري كثيرا رغم أنك تحملين نفس بضاعة الهموم التي نحملها.همت شفتاها بالحديث في أناقة متناهية وقالت: إنني أعيش قصة حب.ولك ان تتخيل كيف تحولت تلك القسمات السمينة التي انتفخت من كثرة التذمر ، بأطنان من الدهشة كادت أن تدهس تلك اللحظة لولا أن هبطت حنان بتفسير يستحق لتلك العيون الجائعة. * تزوجت زواجا تقليديا كما تعرفن جميعا. لكنني أحببته منذ أول يوم . اتفقنا على لغة واحدة دون أن نقرر ذلك. لكننا عملنا طوال هذه السنوات على إتقانها. * هكذا دون ترتيب مسبق لحياتكما معا... كيف أجدت هذا الفن !! * رسمنا لوحاتنا بعناية منذ بداية الطريق. عرفنا أن للحب لغاتا كثيرة تبدأ وتنتهي عند قدرة الآخر على إسعاد شريكه. أبرزنا هذه اللغات في جدران الواقع بكل تناسق وكان أجملها لغة اللمس . ولا تذهب رؤوسكن الجميلة لبعيد. فلا أقصد هنا اللمسات الحميمية جدا بل اللمسات اليومية التي تحاكي الروح .وقد كان أحمد يعرف كيف يقتنص السعادة برغم المشاكل اليومية بلمساته الرقيقة . كان يعرف أن جلد المرأة الناعم بحاجة لتلك اللمسات غير المسموعة ، من طبطبة الكتف أو مسح الرأس أو احتضان الخوف . وكنت أعجب حينما أرى ممن يعيشون حولي من الأزواج وهم لا يعرفون قيمة التلامس الرومانسي الجميل بين بعضهم البعض . ويكتفون بعلاقة باردة تدوم طول العمر. كانت لغة ناعمة تبدأ منذ خروجه للعمل ، وحتى عودته ليحتضنني ويقبلني فور دخوله المنزل ، ولم يمنعه ذلك وجود أطفاله الصغار فهي لغة يجب أن يتعلمها الأبناء أيضا لأنها توجد في النفس رضا وحبا كبيرين. * أحببته لأنه كان يدرك بأن الخلافات مهما كانت عميقة بيننا فإننا ان تناقشنا بها ونحن جنبا إلى جنب أفضل بكثير. فالوجه أمام الوجه يكسر العاطفة ويحولها لمعركة ، لأن الملامح هنا تبدو قاسية. * ألم تسأل إحداكن نفسها يوما لماذا تموت العاطفة مع الأيام رغم وجود السقف الواحد والاحلام المشتركة . إن حبا يهتم بتلك اللمسات الرقيقة يحيي القلب ويدفع فيه الدماء فيطول عمر الحياة الزوجية. إن تلك اللغة تموت بعدم الممارسة لأن وجودها يعني الود والتراحم والحب ، وفقدانها يعني توقف ضخ الدماء عن أهم شريان في هذه الحياة. هكذا علمنا سويا بأن ما يعطينا السعادة موجود بين ثنايا جلدي وجلده هو فقط. وتأكدت من ذلك حين سمعت أحد أطباء علم النفس يوما يقول (الجلد يحس وهو كالطفل حين يشعر بالحرمان يعلن احتجاجه فهو يبكي يمد بوزه ويمتنع عن الطعام. ونعود لأهم جلدين، جلد الرجل وجلد المرأة، كلاهما يحتاج اللمس.. لكن هرمون ألا ستروجين الذي يجعل جلد المرأة أرق ينتج وبحتمية حاجة لمس أكثر.. نعم الرجل يحتاج اللمس بكل صوره.. لكن المرأة بخلقة الله تحتاجه أكثر.. الدراسات الكثيرة تؤكد أن المرأة التي تتلقى صوراً عديدة من اللمس سابقة الذكر تصبح تجاعيدها أقل، ودورتها الشهرية أكثر انتظاماً وقابليتها للإخصاب أقوى وقدرة تحملها لضغوط الحياة أعلى. فلأجلها ولأجلك طبطب، ربت، احتضن.. لأجل الخمسة ملايين خلية عصبية ألمسها.. لأجلكما معاً تلامسا.)