دأبت هذه الجريدة منذ فترة على نشر كلمة قصيرة جدا للدكتور الشاعر غازي القصيبي، انها كلمة تجري مجرى التوقيع، او المثل، او الحكمة حسب التعبيرات القديمة وكثير منها يدعوك الى التوقف على تأمله. ومن اجملها قوله تحت عنوان (دبلوماسية): "سوف اغير هذه المرآة فهي بحاجة الى شيء من الدبلوماسية". المرآة، هذا الشيء الصقيل الوديع الناعم مثل جلد افعى، لها لغة خاصة تخاطب بها الذين يقرؤون وجوههم فيها. لغة تشبه لغة الشعراء القدماء، فهي تحسن المديح والهجاء والسخرية مثلهم تماما. ولكنها تختلف عنهم في شيء واحد هو: انها لا تحسن (الفخر) بنفسها، او (العنتريات التي ما قتلت ذبابة) كما يقول القصيبي او نزار، فانا لا اذكر الان. حين ينطبع فيها وجه جميل، بصدق وعلى صاحبه قول ابي نواس: "يزيدك وجهه حسنا اذا ما زدته نظرا" نراها تتهلل فرحا، وتكيل له طنا من الاوصاف الوردية. اما حين ينطبع فيها وجه قبيح، فانها تصب عليه من قصائد الهجاء او خطبه ما يعجز الليل عن محاكاة سواده. اما السخرية الضاحكة فهي توجهها للذين يغرسون وجوههم فيها ثم لا يعرفون لغتها وهي تخاطبهم، وهم الذين او اللاتي تنضح وجوههم قبحا، ويعتقدون انها نزلت من القمر. ولكل فرد موقفه من المرآة: فالشاعر القديم حين وقف امامها، وسخرت منه، قال: اذا لم تك المرآة ابدت وسامة فقد ابدت المرآة جبهة ضيغم وهكذا اعترف بان المرآة صادقة، ولكنه لم ينكسر، بل افتخر بوسامته الداخلية او الروحية. اما غيره ومنهم القصيبي، الذي زرع اكثر من حقل، وخاض اكثر من ميدان، فهم لا يعترفون بالمرآة، فهاهو القصيبي يقول: انها بحاجة الى شيء من الدبلوماسية، اي انها وقحة حين اظهرت بعض الغضون في وجهه. يمكن توقع الكذب من جهات كثيرة الا المرآة، فهي لا تكذب ابدا.