صرح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير , الاسبوع الماضي, أن صدام حسين لا يزال مصدر خطر وأنه عقبة كبيرة في طريق احراز تقدم في العراق . ورغم غلالة الغموض التي تحيط بالتقدم الذي اشار اليه في تصريحه , سارع الى التأكيد على ضرورة القضاء على صدام لأن المشاكل التي يعانيها العراقيون في جميع النواحي والمجالات الحياتية تعود اسبابها الى ماوصفه بالاعمال التخريبية التي يقوم بها أنصار صدام. غير خاف على كل بصير أن الاعمال التخريببة التي يشير اليها بلير هي أعمال المقاومة العراقية التي لا يكاد يمر يوم دون ان تسقط عددا من القتلى والجرحي في اوساط قوات الاحتلال الأمريكية وقد نال البريطانيون نصيبهم من ذلك . يمتزج في التصريح البليري ، بطريقة متعمدة ، الحقيقة وعكسها, والحقيقة فيه ان صدام عقبة بلاشك , عقبة نفسية تثير الكثير من القلق والتوجس للادراة الأمريكية وقواتها في العراق المحتل , و لكن ليس هنالك ما يدل على انها عقبة ذات طابع عسكري قتالي في ظل عدم توافر الدلائل التي تشير بوضوح الى علاقة صدام حسين من الناحية التنظيمية والتخطيطية والتمويلية بنشاط المقاومة الوطنية العراقية التي نشهد ازدياد عدد فصائلها حسب ما يعلن في تصريحاتها واشرطة الفيديو التي تبثها القنوات الاعلامية العربية مثل (الجزيرة) و(العربية) . وهذا هو عكس الحقيقة في تصريح بلير الذي يكشف ان ثمة كذبة كبيرة أخرى تم طبخها وتحضيرها والشروع في ترويجها وتسويقها على الرأي العام الامريكي والبريطاني والعالمي ايضا بطريقة مشابهة الى حد كبير-- رغم التفاوت في الأهداف النتائج والتبعات -لطريقة تلفيق قصة اسلحة الدمار الشامل العراقية كغطاء تبريري لتمرير مشروع كولونيالي امبريالي يتعدى بغاياته واهدافه احتلال العراق الى التحكم والسيطرة على مجريات الأمور في المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا كما هو معروف منذ فترة التعبئة والاستعدادات العسكرية للعدوان على العراق لتحريره عبر احتلاله . لكن احترازا ضد الادعاء بامتلاك الحقيقة , أود القول انه ربما يكون لصدام علاقة بأعمال المقاومة من خلال نشاط الموالين له , لكن ازدياد عدد فصائل وتنظيمات المقاومة العراقية كما ذكرات سابقا يشير الى أن صدام حسين ليس اللاعب الوحيد في ميدان المقاومة. اورد هذا الاستثناء رغم وجود مايفيد كما ورد في تصريحات بعض المقربين من صدام انه يعيش وحيدا معزولا ينصب اهتمامه على مسألة الحفاظ على سلامته وأمنه الشخصيين , ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الاهتمام بعد قتل نجليه عدي وقصي . ما يستنتج من تصريح بلير بخصوص علاقة صدام بما أسماه اعمالا تخريببة أن الادارة الأمريكية وحكومة بلير في حاجة ملحة دائمة الى اختلاق وتلفيق الأكاذيب لاخفاء الحقائق غير الوردية على الأرض العراقية , أولاها حقيقة فشل الحليفين في قراءة الواقع العراقي كما تجلى في ترويج اكذوبة ان الشعب العراقي سوف يستقبلهم بالورود , وهاهو الكابتن الامريكي دنيس فان ماي الذي يعمل في الشؤون المدنية في القوات الأمريكية يصرح في الاسبوع نفسه بادراكه وادراك زملائه ان العراقيين لايريدونهم وان الجنود الامريكيين في حالة استنفار دائم . وامتداد للتصورات الخاطئة تم الايهام بأن سقوط صدام سوف يشجع العراقيين الى اظهار مشاعرهم الحقيقة الدفينة في اعماقهم من الخوف من بطش صدام . نعم عبر العراقيون عن فرحهم بسقوط صدام كما فرح الملايين في العالم العربي والاسلامي , فسقوط الطغاة في اي زمان ومكان مدعاة للفرح والابتهاج , لكن تصوير ذلك الفرح على انه فرح باحتلال وطنهم حتى ولو بحجة تحريره هو تضليل وتزييف . وما يصرح به دنيس وآخرون هو ما يعول عليه لمعرفة حقيقة مشاعر العراقيين تجاه القوات الأمريكية , لا تصريحات تصدر عن بوش أو حليفه الصغير بلير .