(1) ومازلنا ندور في فلك الاجتهاد والقراءة المغرضة ونظريات علم الرواية (التي مازالت قيد التكوين) قصد التحفيز لقراءة ذات وظيفة نقدية للنص القصصي، ربما اصبنا بعض النجاح، وربما ابتعدنا عن الهدف، ولكن نسعى الى التقليل من مفهوم القراءة العفوية التي تستند على الضمني والاستعراف الثقافي كما يطلق عليه البعض، أن قراءة متنبهة للنص تحدث اثرا معرفيا ووعيا بأبعاد وعلاقات مكوناته تغذي متعة القراءة وتضيف الى لذة النص. ان الهدف من انتاج قراءة نقدية كان المسعى والغرض لعدد كبير من النقاد والمنظرين في حقل اللغة والالسنيات وغيرها من حقول المعرفة الأدبية. النص القصصي ظل وسيظل هدفا للنقد وميدانا واسعا لصولاته بقصد تحليل بنيته وايجاد مدخل لعالمه ومنهج لشروط انتاجه. لقد نال الشعر حظوته من النقد وتفتحت بنية اللغة الشعرية المستفلقه امام اضاءات نقدية واسعة ومذاهب نقدية شتى ولكن بقي النثر عندنا في دائرة مظلمة ولذا اضحى وجود اضاءة حوله عملا مهما وضروريا. الابداع النثري قديم والشكل السردي الذي توخاه تعدد وتوزع وفق التوجه والضرورة والنموذج الأدبي الخيالي منه اتخذ لنفسه اشكاله السردية الخاصة وبقي على النقد ان يأخذ وجهته نحوه ليبحث ويحلل في محاولة لايجاد نظرية للسرد العربي واذا كانت القصة القصيرة بشكلها الحالي من الفنون الحديثة التي دخلت الى عالمنا الابداعي الا اننا سنجد لها مرجعا سرديا لدينا فكما يقول بارت: لكل شعب سردياته ولا حكاية بدون سارد. ان استعارة المناهج الغربية الملائمة للكشف والتطبيق والتحليل للنص الأدبي القصصي لاتعد بدعة واقتراف ذنب والاستفادة من تقدم العلوم الانسانية في الاجراءات النقدية أمر واجب واستخدام الفعالية التكنولوجية لايعيب فالعمل النقدي عمل قائم على البحث والانفتاح. وتعدد المقاييس التي طرحها النقد لاستنطاق النص الأدبي النثري دليل على هذا البحث والانفتاح. وجوه النص الأدبي الثلاثة التي اشار اليها تودروف وغيره التي تسمح بتكوين شبكة وصفية بالغة الفعالية هي نتاج بحث جاد تتوزع وجهته نحو الآتي: أ علم الدلالة: وتتعلق دراسته بالاستعارات والرموز وغيرها وهو يطرح مشكلة العلاقة بين النص والواقع. ب اللفظي الذي يسمح دراسة الثوابت التي تسهم في معالجة الأحداث وخصوصية التجربة من وجهة نظر اسلوبية وزمنية (ترتيب الأحداث) ومن وجهة نظر موقف السارد الذاتي او الموضوعي الخارجي او الداخلي ، الوحيد او المتعدد الثابت او المتحول... الخ ومن وجهة نظر موقع الراوي وعلاقته بالمؤلف. ج النحوي الذي ترجع دراسته الى العلاقات التي تقوم بين الوحدات الأدنى الخاصة بالنص، ويمكن الرجوع الى كتاب (مورفولجيا الحكاية) للباحث بروب للتوسع في هذه النقطة ان مناطق الاستدلال تلك، وما اضيف اليها من اضاءات لمناطق نقدية اخرى اضافها بروب، وبريمون وبارت، وغريماس وتودروف، وباكيسون، وتوماشيفسكي، وجينيت. وغيرهم حول وظائف اللغة والنحو السردي، والوصف ومعالجة الزمن والمكان ستبقى جديرة بالنظر اليها كمداخل يمكن الولوج منها الى عالم النص ليس بالضرورة جميعها ولكن وفق رؤية يحددها النص الأدبي العربي ومن منظور لساني عربي واعتقد ان النقد العربي قد استفاد ويمكن له ذلك اكثر اذا وعى جيدا لابعاد المصطلح النقدي وحاول ان يطوعه وفق رؤيته لا ان يقف منه موقف الرافض ولا يلوي عنق النص ليطوعه للمصطلح او المنهج. (2) اذا تركنا مشكلة المصطلح النقدي جانبا رغم أهميته وبدأنا مدخلا نحو عالم القصة وجب علينا ان نحدد هذا العالم، أو على الأقل نرسم لخطوطه العريضة العريضة، قضية صعبة أخرى أمام النقد ليس العربي فقط أن أغلب ما قدمه التاريخ الأدبي والنقد الأدبي لتعريف هذا الشكل الدائم التحول والمتعدد الأشكال لا يجعلنا نعتقد بوجود طريق يقود الى ملامح معينة او حتى تتأهل للتعيين نقديا، أننا لانستطيع ان نحدد مفهوم القصة بما ليس قصة، ولانستطيع ان نحدد مفهوم النثر بما ليس نثرا ولذا علينا ان نتخيل او نتوهم او نأخذ بنوايا الكاتب وان نتعامل مع النص كما حدده كاتبه نعلم ان خطوات واسعة بدأتها الشكلانية وغيرها لتحديد الشكل الأدبي ولكنها خطوات لاتمثل برنامجا متماسكا من الأبحاث. ان الرواية الأقدم عهدا تعاني هي الاخرى من مشكلة التعريف، من مشكلة وجود ضوابط او قواعد تمثل مرتكزا يمكن الاعتماد عليه في استقراء النص واذا كان (الناقد المغربي عبدالفتاح كليطيو) قد قدم مقاييس لتعريف الرواية تلامس الدقة الى حد ما وتتمثل في الاقتراحات الآتية: عمل نثري. جنس ليس له شكل معين سلفا. لا يعكس سوى الملموس. يعتمد على الخيال. محكى (مجموعة احداث متسلسلة في الزمن). سرد (يفترض ساردا). (الرواية والواقع منشورات عيون) ولكن الا تتصف هذه الخصائص بالعمومية؟ هكذا تعريفات كثيرة وربما يتساءل البعض هنا عن ما قدمه (لوكاش) في كتابه (الرواية التاريخية) أو البيريس في (الرواية الحديثة) او غيرهم. آراء كثيرة، تعريفات كثيرة، مداخل نقدية متعددة ومتنوعة تختلف في التعبير والافكار وتتحد في كونها تعمل جميعا تجاه اشكال ادبية معينة. النقد العربي حاول قبل ان يحدد الشكل الأدبي، البحث عن جذور له في التراث العربي وكأن القضية هي قضية اثبات وجود هذه الأشكال في التراث ومن هنا حدث اللبس والتشتت والاختلاف، البعض يؤكد، والبعض ينفي، والأبداعات تتوالى والقلة من النقاد تتابع بعيدا عن ساحة الخلاف.