كانت الاحتفالات الرسمية بمرور أربعين عاما على إرهاصات الثورة الكوبية عام 1953 مجرد احتفالات جوفاء. ففي عام 1993 انهارت الحكومات الشقيقة في الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي أعظم راع للجزيرة الشيوعية. وبدون الدعم والمعونة السوفيتية اللذين كانت الجزيرة تحصل عليهما كلما تدهور محصول السكر كان المواطن الكوبي العادي يعاني صعوبات متزايدة نتيجة الركود الاقتصادي. ففيدل كاسترو ذلك الرجل الذي قاد هجوما فاشلا على ثكنة حكومية في 26 /يوليو/ 1953 وفيما بعد اعتبر ذلك اليوم إجازة رسمية بعد توليه السلطة عام 1959 استخدم العيد السنوي منذ عشر سنوات لاجراء تغييرات في كوبا. وفي مواجهة البؤس والقلاقل المحتملة وسط شعبه تحول الزعيم الكوبي عن أكثر من ثلاثة عقود من التخطيط المركزي. فللمرة الأولى سمح النظام للكوبيين العاديين بحيازة عملات أجنبية وسمح لهم أيضا بالعمل الحر كعلاج للبطالة في اقتصاد يحتضر. وبالرغم من أن ذلك كان تحركا محدودا وفقا للمفاهيم الاقتصادية إلا أنه اعتراف ضمني باتساع الشروخ في أسس النظام الماركسي- اللينيني. وفي بيان نشر في موقع انطلاق الثورة في ميناء سانتياجو دي كوباجنوب شرقي البلاد أعلن كاسترو بنفسه "إنني أمقت بعض هذه الاجراءات". وفي عشية العيد السنوي الخمسين لثورة كاسترو كانت كوبا قد شهدت عقدا من توفيق أوضاعها من خلال الإصلاحات التي لا تقدم على الإطلاق باعتبارها رأسمالية حرة وإنما باعتبارها درجة من المرونة لتحريك حالة اقتصادية متصلبة. وفي المدن انطلقت وازدهرت أسواق المزارعين المفتوحة. ويحاول كثير من الكوبيين خلق أعمال مستقلة من خلال امتهان الحرف أو قيادة السيارات أو إدارة المقاهى. ورغم ذلك ومنذ البداية وضع النظام حدودا صارمة على الاعمال التجارية. وحتى الان يمنع رجال الأعمال من استخدام موظفين خوفا من الاستغلال الرأسمالي. ولا يسمح للمطاعم الخاصة بأكثر من 12 كرسيا ربما خوفا من خلق مهد للمعارضة السياسية. * وتخضع المكاسب المستقلة لضرائب مرتفعة، في حين تسببت العقبات البيروقراطية والمضايقات الرسمية في خروج كثير من رجال الأعمال المتفائلين من مجال التجارة. وتراجعت أعداد الذين يعملون في مجالات خاصة من 200 ألف شخص في عام 1996 إلى 150 ألفا طبقا لاخر التقديرات. وكانت إحدى النتائج الرئيسية لإصلاحات 1993 أن أصبح للكوبيون المقيمين في المنفى في الولاياتالمتحدة وبخاصة في فلوريدا المجاورة دور في دعم اقتصاد كاسترو الفاشل. فاكتساب الكوبيين الحق في حمل دولارات ساعد معارضي كاسترو في المنفى على إرسال المال إلى أقاربهم الفقراء في الجزيرة الكوبية. وتعتبر التحويلات النقدية التي تقدر بحوالي 800 مليون دولار في العام أكبر مصدر لرأس المال الأجنبي الحيوي لكوبا حاليا. ولجذب هذا السيل من العملة الصعبة ظهرت متاجر تبيع للكوبيين مواد أساسية نادرة وسلعا غير فاخرة كان يتعذر الحصول عليها. وفي هافانا أيضا مراكز تجارية تحتوي على سلع باهظة الثمن جديرة بأن تكون في قصور المستهلكين الغربيين. لكن الكوبيين الذين يذهبون للشراء بعملتهم المحلية البيزو ليسوا مدعوين لمثل هذه المراكز التجارية الفخمة. وقد وسع رفع الحظر على العملة الأجنبية أيضا الفوارق الاجتماعية على الجزيرة الشيوعية رسميا. وتبدو التغييرات في الصناعات الكوبية التي تديرها الحكومة أقل وضوحا للوهلة الاولى. فالتعاونيات الضخمة التي تفتقر إلى التنظيم يجري تفتيتها إلى وحدات أصغر تلقى مدراؤها أوامر بتشغليها دون خسائر. وتم تخفيف قبضة احتكار الحكومة المركزية للتجارة الخارجية. وهناك بعض الشركات التي سمح لها بتدبير واردات وصادرات بشكل مستقل ولكن الافضلية تمنح للمؤسسات الحكومية. وفي حين يخبو المثل الاعلى الاشتراكي تظهر أفكار جديدة. ففي مكتب استقبال أحد الفنادق التي يرتادها السياح الغربيون علقت لوحة تقولإأن الهدف هو (الكمال الإداري). وحتى الآن مازالت الدولة الكوبية تحتفظ بوجود هائل وتعقد الامور حتى بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين تغازلهم السياسة الرسمية. وقد أصدرت سفارات الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي قوائم طويلة تشمل الحواجز الإدارية أمام الأجانب الذين يسعون إلى التجارة في الجزيرة. ونتيجة لذلك ظل الاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان قوة تغيير في الدول النامية الأخرى محدودا. وعلى العكس من ذلك يمثل قطاع السياحة الكوبي بارقة أمل اقتصادية فقد نما بمعدلات مرتفعة للغاية في التسعينيات. وقد أكسب وجود السياح الأجانب أيضا النظام حسا جديدا بأهمية حفظ الاثار التاريخية. وشهدت السنوات الأخيرة تجديدا لكثير من مواقع التراث الكوبي حتى ولو من أجل السياحة فقط. ويرسم السياح صورة خاصة عن الضغوط الصعبة التي يواجهها أصحاب الاعمال الصغيرة في كوبا عندما يقيمون في أحد المراكب الخاصة المتاحة بيسر والبنسيونات التي ظهرت مؤخرا. حيث يعاني ملاك هذه الاماكن من ضرائب تكاد تتجاوز حدود المنطق. فعلى كل حجرة معروضة للإيجار يجب أن يدفعوا للحكومة على الأقل 100 دولار في الشهر بصرف النظر عما إذا كانت قد استؤجرت أم لا. ونتيجة لذلك يمكن أن تتجاوز الشريحة الضريبية الشهرية نسبة مائة بالمائة عندما تكون نسب الاشغال منخفضة.