هل هناك مرض عضال تشتكي منه مناهجنا الدراسية في جميع مستوياتها ام هي آفة مستعصية نبحث لها عن حلول ام هي حقل تجارب تشريحية لإعداد رسائل التربية والتعليم فكثيرا ما تعرضت لمشرط على طاولة التشريح ومورست عليها عمليات التجميل حتى تفتقت الندوب من كثرة الشد واعتقد انها الآن في غرفة العناية المركزة. حيث ان خبراء التشريح التربوي لديهم قناعات ثابتة بعدم امكانية اجراء عمليات كبرى لهذا المريض لشيخوخته او لظروفه الصحية المصاحبة لهذا هم يمارسون عمليات الترقيع على امل ان تفلح محاولاتهم. حيث من المعروف ان المناهج ليست صخرة صماء بل هي كائن لها عناصرها الحياتية التي تلونها وتعطيها الشكل والحجم وكذلك هي ليست سطورا في كتاب وانما هي عملية تفاعلية بين الانسان وبيئته الاجتماعية والدينية والسياسية والمناخية والمعرفية وكذلك مع ظروفه الجغرافية والمادية والسكانية. فنجاح منهج معين في دولة تختلف عناصرها التكوينية لن يكون مقياسا معياريا لنا فالمناهج لدينا استعانت ببعض المناهج العربية الاخرى مسترشدين بوحدة اللغة والدين بدون التركيز على بقية عناصر التكوين ولهذا احتاجت منا بين الفينة والفينة الى اجراء بعض التصحيحات في مسار العملية التعليمية ولكننا من كثرة التعديلات افقدناها اركانها البنيوية وركائزها التأسيسية فاصبحت غير مترابطة في قواعدها مما اتاح بروز فجوات بعدم قدرتها على مسايرة النمو ومتطلباته. فاصبح من الضرورة ان نبدأ في بناء صرح منهجي تعليمي على اسس ترتكز على معطيات التكوين الذاتية دون الحاجة الى الاستعارة من الآخرين التي تضطرنا لاحقا لممارسة عمليات الترقيع والتجميل لها على ان يتم الانتقال المرحلي على ضوء جدول زمني مبرمج يحدده الاختصاصيون حتى لا تحدث خلخلة في العملية التربوية تشوه معالمها وتغير هيكلها العربي المنتمي للاسلام بشرط ان تضع الدراسة الجديدة نصب عينيها المتغيرات المتلاحقة وقدرتها على المسايرة خمسين عاما قادمة. لان الاستيعاب يتأثر بالمعطيات فلا يمكنني ان اتحدث عن الانترنت قبل الشروع في تعلم الحاسب الذي سيحتاج بالطبيعة الى ظروف مواتية مادية وتقنية وهذه ايضا تسبقها تهيئة اولويات للعلوم الاساسية من دين ولغة التي سترسخ مبادئ وقيم وعادات وتقاليد المجتمع والتي ستكون ارضية صالحة للاستنبات وزرع المفاهيم. ولايمكننا فصل ميكانيكية التعليم عن هذه المعطيات فالجغرافيا والبيئة والموروثات التاريخية تروس في عجلة التعليم فالمدرس والطالب والمكان والزمان هم الحروف التي تشكل عنوان الكتاب والتركيبة السكانية والبيئة المحيطة يحددون صفحات ذلك الكتاب فما كان مقبولا بالامس لم يعد كذلك اليوم وسيكون في الغد ليس كما هو اليوم فالثبات من صفات الخالق والتغير من صفات البشر. فهل لنا من وقفة جادة مع الذات وتنسيق الجهود بين التخطيط والتنفيذ لإبراز مشروع تعليمي يلبي احتياجاتنا الآنية والمستقبلية دون الحاجة الى تقاذف الكرة بين الجهات الاكاديمية والمخططين وكل منهم يصنف مخرجات التعليم بما يتوافق مع مواصفاته وشروطه متناسين ان هناك طرفا ثالثا تائها بما لديه من حصيلة تعليمية لم نصنفه الى اي فئة ينتمي ومخرجاته لا تغذي الحركة التنموية ولا تجابه التحديات المعاصرة التي نكتوي بنارها.