يجد المتابع المحايد لوسائل الاعلام العربي في هذه الأيام حول العراق صعوبة بالغة في فهم الأهداف القريبة والبعيدة لجل ما يكتب ويذاع، العراقيون الذين لا يزالون يعيشون في حالة حرب هي الثالثة في عقدين لا يمكن أن يفقهوا الدعوات التي ترفع هنا وهناك للاستعداد للدخول في حرب جديدة ضد كائن من كان. لقد مات مئات الآلاف وتشرد الملايين من العراقيين جراء حربين داميتين تسبب فيهما طاغية لم يجد العراقيون وسيلة للتخلص منه إلا بالقبول بالدخول في حرب ثالثة أتت على البقية الباقية من (إنجازات) الطاغية في الممتلكات والأرواح. اليوم يتحدث الكثيرون عن الأسباب التي دعت الأمريكان لشن الحرب واسقاط الطاغية، هذا شيء جيد ولكنه أصبح معروفا وحتى الأمريكان وبالرغم من كذبهم الصريح حول الأسباب العملية لبدء الحرب لم يخفوا نواياهم الحقيقية المتمثلة في إعادة رسم أوضاع المنطقة بما يتفق ومصالحهم الاستراتيجية. وفيما يخص العراق تحديدا فلقد تحقق على يد هؤلاء الأمريكان الكذابين أعظم هدف مات في سبيله مئات الآلاف من الشعب العراقي وهو اسقاط النظام الديكتاتوري الذي أوصل كافة ممثلي المعارضة العراقية الى حالة من العجز المطلق مما أوصلها الى الاتفاق على القبول بالتدخل الخارجي الاستفادة من العامل الخارجي والاختلاف فقط على كيفية الاستفادة والتعامل مع هذا التدخل، هذا العامل الخارجي اليوم ليس كأي عامل خارجي في الماضي. إنه الولاياتالمتحدة التي ينظر الأوروبيون والروس والصينيون بعين الاعتبار لدورها اهتماما تكوينيا في خططهم السياسية والاقتصادية، هذا العامل موجود اليوم على أرض العراق والذين يشنون الدعوات لإخراج الأمريكان بالمقاومة المسلحة إنما يدعون بشكل واضح وصريح لزج العراق والعراقيين في حرب رابعة شواهدها لم تغادر الذاكرة بعد في الصومال وأفغانستان وعلى أحسن حال في يوغسلافيا السابقة. إن محاولة (تثقيف) الشعب العراقي وتذكيره بضرورة الخلاص من الاحتلال في أسرع وقت إنما تمثل استهانة بقدرات هذا الشعب العظيم وتراثه الغني. لا يوجد عراقي واحد يريد بقاء المحتلين الى الأبد. العراق كان مريضا بل كان ينازع والدكتور فظ ومكلف ولديه نوايا غير حسنة لكن المريض في حاجة الى نقاهة وقد يكون وجود الدكتور ضروريا لوقت ما. العراقيون بدأوا مسيرتهم السلمية نحو المستقبل ومؤسسات المجتمع المدني تنهض شيئا فشيئا وسط الركام والآلام وعن طريق هذه المؤسسات وفقط عن طريقها لن يحتاج العراقيون لشن حرب دامية جديدة فالحرب التي يخوضونها اليوم بشكل سلمي وحضاري بكل أطيافهم الفكرية والدينية والعرقية هي الضمانة الوحيدة لتقدمهم وخلاصهم من الاحتلال لبناء بلد حر وشعب سعيد. الكثير ممن كانوا عبدة للطاغوت يؤججون اليوم نزعات العنف والتناحر وسط ذهول وحيرة المحتلين لكن عراقة الشعب العراقي أرسخ وأعمق من أن توصف بالعمالة فهي الى الحكمة والعقل أقرب.